للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

له ناحية منها يأكلها. (١) فقال ذلك الملك= الذي كان إلياس معه يقوم له أمره، ويراه على هدى من بين أصحابه = يوما: يا إلياس، والله ما أرى ما تدعو إليه الناس إلا باطلا! والله ما أرى فلانا وفلانا- وعدد ملوكا من ملوك بني إسرائيل (٢) - قد عبدوا الأوثان من دون الله، إلا على مثل ما نحن عليه، يأكلون ويشربون ويتنعمون مملكين، (٣) ما ينقص من دنياهم [أمرهم الذي تزعم أنه باطل] ؟ (٤) وما نرى لنا عليهم من فضل. ويزعمون - (٥) والله أعلم - أن إلياس استرجع وقام شعر رأسه وجلده، ثم رفضه وخرج عنه. ففعل ذلك الملك فعل أصحابه، عبد الأوثان، وصنع ما يصنعون. (٦) ثم خلف من بعده فيهم اليسع، (٧) فكان فيهم ما شاء الله أن يكون، ثم قبضه الله إليه. وخلفت فيهم الخلوف، وعظمت فيهم الخطايا، وعندهم التابوت يتوارثونه كابرا عن كابر، فيه السكينة وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون. فكانوا لا يلقاهم عدو فيقدمون التابوت ويزحفون به معهم، (٨) إلا هزم الله ذلك العدو. (٩) ثم خلف فيهم ملك يقال له إيلاء، (١٠) وكان الله قد بارك لهم في جبلهم من إيليا، لا يدخله عليهم عدو، ولا يحتاجون معه إلى غيره. وكان أحدهم -فيما يذكرون- يجمع التراب على الصخرة، ثم ينبذ فيه الحب، فيخرج الله له ما يأكل سنته هو وعياله. ويكون لأحدهم الزيتونة، فيعتصر منها ما يأكل هو وعياله سنته. فلما عظمت أحداثهم، وتركوا عهد الله إليهم، نزل بهم عدو فخرجوا إليه، وأخرجوا معهم التابوت كما كانوا يخرجونه، ثم زحفوا به، فقوتلوا حتى استلب من بين أيديهم. فأتى ملكهم إيلاء فأخبر أن التابوت قد أخذ واستلب، فمالت عنقه، فمات كمدا عليه. فمرج أمرهم عليهم، (١١) ووطئهم عدوهم، حتى أصيب من أبنائهم ونسائهم. (١٢) وفيهم نبي لهم قد كان الله بعثه إليهم، فكانوا لا يقبلون منه شيئا، يقال له"شمويل"، (١٣) وهو الذي ذكر الله لنبيه محمد:"ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله" إلى قوله:"وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا"، يقول الله:"فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم"، إلى قوله:"إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين".

= قال ابن إسحاق: فكان من حديثهم فيما حدثني به بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه: أنه لما نزل بهم البلاء ووطئت بلادهم، كلموا نبيهم شمويل بن بالي فقالوا:"ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله". وإنما كان قوام بني إسرائيل الاجتماع على الملوك، وطاعة الملوك أنبياءهم. وكان الملك هو يسير بالجموع، والنبي يقوم له أمره ويأتيه بالخبر من ربه. فإذا فعلوا ذلك صلح أمرهم، فإذا عتت ملوكهم وتركوا أمر أنبيائهم فسد أمرهم. فكانت الملوك إذا تابعتها الجماعة على الضلالة تركوا أمر


(١) (يأكلها) أي يغلب عليها، ويصير له ما لها وخراجها. وفي حديث عمرو بن عنبسة: (ومأكول حمير من آكلها، الماكول: الرعية -والآكلون: الملوك. وهم يسمون سادة الأحياء الذين يأخذون المرباع وغيره" الآكال"، وفي الحديث: "أمرت بقرية تأكل القرى"، هي المدنية، أي يغلب أهلها بالإسلام على غيرها من القرى.
(٢) في المطبوعة: "يعدد ملوكا. . " وأثبت ما في المخطوطة، وفي تاريخ الطبري: "يعد".
(٣) في المطبوعة: "مالكين"، وفي المخطوطة: "ملكين"، وأثبت ما في تاريخ الطبري.
(٤) الزيادة التي بين القوسين من تاريخ الطبري، ولا يستقيم الكلام إلا بها.
(٥) في المطبوعة: "ويزعمون" وأثبت ما في المخطوطة والتاريخ.
(٦) إلى هذا الموضع رواه الطبري بإسناده هذا في تاريخه١: ٢٣٩ / ثم الذي يليه في ١ / ٢٤٠ فصلت بينهما روايات أخرى.
(٧) (أليشع) في كتاب القوم.
(٨) في المطبوعة والمخطوطة: "وكانوا. . . "، وأثبت ما في التاريخ، فهو أجود.
(٩) بعد هذا في التاريخ ما نصه: "والسكنية - فيما ذكر ابن إسحق، عن وهب بن منبه، من بعض أهل إسرائيل -رأس هرة ميتة، فإذا صرخت في التابوت بصراخ هرة، أيقنوا بالنصر وجاءهم الفتح.
(١٠) (عالي) في كتاب القوم وفي تاريخ الطبري"إيلاف". والمرجح أن الذي في المطبوعة والمخطوطة هو الصواب، لقربه من لفظ"عالي" وإن كان الطبري قد ذكر في تاريخه ١: ٢٤٣"عيلى"،. وعالي، من عظماء كهنة بني إسرائيل وقضى لهم أربعين سنة. وخبر موت عالي عند استلاب التابوت، مذكور في كتاب القوم"صموئيل الأول" الإصحاح الرابع.
(١١) في تاريخ الطبري: "فمرج أمرهم بينهم". ومرج الأمر: اختلط والتبس واضطرب في الفتنة.
(١٢) إلى هذا الموضع، انتهى ما رواه الطبري في التاريخ ١: ٢٤٠-٢٤١.
(١٣) (صموئيل) في كتاب القوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>