للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأدخل في"دائم""الباء" مع"هل"، وهي استفهام. وإنما تدخل في خبر" ما" التي في معنى الجحد، لتقارب معنى الاستفهام والجحد. (١)

* * *

وكان بعض أهل العربية يقول: (٢) أدخلت" أن" في:"ألا تقاتلوا"، لأنه بمعنى قول القائل: ما لك في ألا تقاتل. ولو كان ذلك جائزا، لجاز أن يقال:"ما لك أن قمت= وما لك أنك قائم"، وذلك غير جائز. لأن المنع إنما يكون للمستقبل من الأفعال، كما يقال:"منعتك أن تقوم"، ولا يقال:"منعتك أن قمت"، فلذلك قيل في" مالك":"مالك ألا تقوم" ولم يقل:"ما لك أن قمت".

* * *

وقال آخرون منهم: (٣) " أن" ها هنا زائدة بعد" ما لنا"، كما تزاد بعد" لما" و" لو"، (٤) وهي تزاد في هذا المعنى كثيرا. قال: ومعناه: وما لنا لا نقاتل في سبيل الله؟ فأعمل" أن" وهي زائدة، وقال الفرزدق:

لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها ... إذن للام ذوو أحسابها عمرا (٥)


(١) انظر معاني القرآن للفراء ١: ١٦٣- ١٦٤، وقد استوفى الكلام فيما فتحه الطبري.
(٢) هو الكسائي، كما صرح به الفراء في معاني القرآن ١: ١٦٥.
(٣) هو أبو الحسن الأخفش، كما يتبين من تفسير أبي حيان والقرطبي والمغني.
(٤) في المطبوعة: " زائدة بعد فلما ولما ولو"، وهو تخليط. وفي المخطوطة "بعد مليما. . . " مضطربة الكتبة، فالصواب عندي أن تكون: "مالنا"، ولما أخطأ الناسخ الكتابة والقراءة، حذف "كما تزاد"، وهذا هو صواب المعنى والحمد لله
(٥) ديوانه: ٢٨٣، وسيأتي في التفسير ٩: ١٦٥، والخزانة ٢: ٨٧، والعيى (الخزانة) ٢: ٣٢٢ يهجو عمر بن هبيرة الفزاري وهو أحد الأمراء وعمال سليمان بن عبد الملك. وقومه. فزارة ابن ذبيان، من ولد غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر. وهو شعر جيد في بابه، وقبل البيت أبيات منها: يا قيس عيلان، إني كنت قلت لكم ... يا قيس عيلان: أن لا تسرعوا الضجرا
إني متى أهج قوما لا أدع لهم ... سمعا، إذ استمعوا صوتي، ولا بصرا
ثم قال بعد ذلك أبيات: لو لم تكن غطفان. . . . . . .
هذا مجمع من رأيت يذهب إلى إن"الذنوب"جمع"ذنب"، وهو عندي ليس بشيء، وإنما انحطوا في آثار الأخفش، حين استشهد بالبيت على إعمال"لا" الزائدة. وصواب البيت عندي (لا ذنوب لها) وليس في البيت شاهد عندئذ. والظاهر أن الأخفش أخطأ في الاستشهاد به. والذنوب (بفتح الذال) : الخط والنصب، وأصله الدلو الملأى. وهو بهذا المعنى في قوله تعالى: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ} ، أي حظا من العذاب. قال الفراء: " الذنوب الدلو العظيمة، ولكن العرب تذهب به إلى الحظ والنصيب". وقال الزمخشري: "ولهم ذنوب من كذا" أي نصيب، قال عمرو ابن شأس: وفي كل حي قد خبطت بنعمة ... فحق لشأس من نداك ذنوب
أقول: يقول الفرزدق: لو لم تكن غطفان خسيسة لاحظ لها من الشرف والحسب والمروءة -"إذن للام ذوو أحسابها عمرا". وبذلك يبرأ البيت من السخف ومن تكلف النحاة. هذا وانظر هجاء الفرزدق لعمر بن هبيرة في طبقات فحول الشعراء: ٢٨٧- ٢٨٨وقوله: فسد الزمان وبدلت أعلامه ... حتى أمية عن فزارة تنزع
يقول: تبدلت الدنيا، حتى صارت أمية تحتمي بفزارة وتصدر عن رأيها. يتعجب من ذلك لخسة فزارة عنده.

<<  <  ج: ص:  >  >>