للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجهاد في سبيل الله، بالتخلف عنه حين استنهضوا لحرب من استنهضوا لحربه، وفتح الله على القليل من الفئة، مع تخذيل الكثير منهم عن ملكهم وقعودهم عن الجهاد معه= (١) فإنه تأديب لمن كان بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذراريهم وأبنائهم يهود قريظة والنضير، وأنهم لن يعدوا في تكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم فيما أمرهم به ونهاهم عنه= مع علمهم بصدقه، ومعرفتهم بحقيقة نبوته، بعد ما كانوا يستنصرون الله به على أعدائهم قبل رسالته، وقبل بعثة الله إياه إليهم وإلى غيرهم = (٢) أن يكونوا كأسلافهم وأوائلهم الذين كذبوا نبيهم شمويل بن بالي، مع علمهم بصدقه، ومعرفتهم بحقية نبوته، وامتناعهم من الجهاد مع طالوت لما ابتعثه الله ملكا عليهم، بعد مسألتهم نبيهم ابتعاث ملك يقاتلون معه عدوهم ويجاهدون معه في سبيل ربهم، ابتداء منهم بذلك نبيهم، وبعد مراجعة نبيهم شمويل إياهم في ذلك= (٣) وحض لأهل الإيمان بالله وبرسوله من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على الجهاد في سبيله، وتحذير منه لهم أن يكونوا في التخلف عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم عند لقائه العدو، ومناهضته أهل الكفر بالله وبه، على مثل الذي كان عليه الملأ من بني إسرائيل في تخلفهم عن ملكهم طالوت إذ زحف لحرب عدو الله جالوت، وإيثارهم الدعة والخفض على مباشرة حر الجهاد والقتال في سبيل الله= (٤) وشحذ منه لهم على الإقدام على مناجزة أهل الكفر به الحرب، وترك تهيب قتالهم أن قل عددهم وكثر عدد أعدائهم واشتدت شوكتهم بقوله: (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [سورة البقرة: ٢٤٩] ،= (٥) وإعلام منه تعالى ذكره عباده المؤمنين به أن بيده النصر والظفر والخير والشر.

* * *

وأما تأويل قوله:"قال لهم نبيهم"، فإنه يعني: للملأ من بني إسرائيل الذين قالوا لنبيهم:"ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله".

* * *

وقوله:"إن آية ملكه"،: إن علامة ملك طالوت= (٦) التي سألتمونيها دلالة على صدقي في قولي: إن الله بعثه عليكم ملكا، وإن كان من غير سبط المملكة="أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم"، وهو التابوت الذي كانت بنو إسرائيل إذا لقوا عدوا لهم قدموه أمامهم، وزحفوا معه، فلا يقوم لهم معه عدو، ولا يظهر عليهم أحد ناوأهم، حتى ضيعوا أمر الله، (٧) وكثر اختلافهم على أنبيائهم، فسلبهم الله إياه مرة بعد مرة، يرده إليهم في كل ذلك، حتى سلبهم آخرها مرة فلم يرده عليهم، (٨) ولن يرد إليهم آخر الأبد. (٩)

* * *

ثم اختلف أهل التأويل في سبب مجيء التابوت الذي جعل الله مجيئه إلى بني إسرائيل آية لصدق نبيهم شمويل على قوله:"إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا"، وهل كانت بنو إسرائيل سلبوه قبل ذلك فرده الله عليهم حين جعل مجيئه آية لملك طالوت، أو لم يكونوا سلبوه قبل ذلك، ولكن الله ابتدأهم به ابتداء؟

فقال بعضهم: بل كان ذلك عندهم من عهد موسى وهارون يتوارثونه، (١٠) حتى سلبهم إياه ملوك من أهل الكفر به، ثم رده الله عليهم آية لملك طالوت. وقال في


(١) سياق الجملة: وهذه القصة، وإن كانت خبرا من الله٠٠ ٠ ونبأ عما كان منهم ... فإنه تأديب ... ".
(٢) سياق هذه الجملة: "وأنهم لن يعدوا في تكذيبهم محمدا ... أن يكونوا كأسلافهم ... ".
(٣) قوله: "وحض ... " معطوف على قوله آنفًا: "فإنه تأديب ... ".
(٤) قوله: "وشخذ ... " معطوف ثان على قوله آنفًا: " فإنه تأديب ... ".
(٥) قوله: " وإعلام ... " معطوف ثالث على قوله: "فإنه تأديب ... ".
(٦) انظر تفسير"آية" فيما سلف ١: ١٠٦ / ٢: ٣٩٧، ٣٩٨، ٥٥٣ / ٣: ١٨٤ / ٤: ٢٧١.
(٧) في المطبوعة والمخطوطة: "حتى منعوا أمر الله". وهو تصحيف لا معنى له، والصواب ما أثبت.
(٨) في المطبوعة: "حتى سلبهم آخر مرة"، والذي في المخطوطة هو الصواب الجيد، وإن كانت الأخرى قريبة من الصواب على ضعف.
(٩) في المخطوطة: "ولم يرده إليهم آخر الأبد"، وهو خطأ بين.
(١٠) في المطبوعة: " كان ذلك عندهم"، بحذف"بل".

<<  <  ج: ص:  >  >>