للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وصفه - والله تبارك اسمه خادِعُه، بخذلانه عن حسن البصيرة بما فيه نجاةُ نفسه في آجل مَعادِه، كالذي أخبر في قوله: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا) [سورة آل عمران: ١٧٨] ، وبالمعنى الذي أخبرَ أنه فاعلٌ به في الآخرة بقوله: (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ) [سورة الحديد: ١٣] ، فذلك نظيرُ سائر ما يأتي من معاني الكلام بـ "يُفاعِل ومُفاعل". وقد كان بعض أهل النحو من أهل البصرة يقول: لا تكون المفاعلة إلا من شيئين، ولكنه إنما قيل:"يُخادِعون الله" عند أنفسهم، بظنِّهم أن لا يعاقَبُوا، فقد علموا خلافَ ذلك في أنفسهم، بحجة الله تبارك اسمه الواقعة على خلقه بمعرفته، وما يخدعون إلا أنفسهم. قال: وقد قال بعضُهم:"وما يخدعون" يقول: يخدَعُون أنفسهم بالتَّخْلية بها (١) . وقد تكون المفاعلة من واحد في أشياء كثيرة.

* * *

القول في تأويل قوله جل ثناؤه: {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ}

إن قال قائل: أو ليس المنافقون قد خدعُوا المؤمنين - بما أظهرُوا بألسنتهم من قيل الحق - عن أنفسهم وأموالِهم وذَرَاريهم حتى سلمت لهم دنياهم، وإن


(١) يعني بقوله"بالتخلية بها"، أي بالانفراد بها وإخفاء ما يبطنون من الكفر. كأن أراد أن يجعل اشتقاق"يخدعون" من المخدع، وهو البيت الصغير داخل البيت الكبير، وأراد الستر الشديد لما يبطنون. وأخلى بفلان يخلى به إخلاء: انفرد به في مكان خال. واستعمل"التخلية" بمعنى أنه حمل على الخلوة، كأنه حمل نفسه على الخلوة بها والانفراد، ليخفى ما فيها. وهذا الذي ذكره شرح لبقية الآية الذي سيأتي بعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>