للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حوله من القُرى والمساجد، ونظر إلى خراب لا يوصف، (١) . ورأى هَدْمَ بيت المقدس كالجبل العظيم، قال: (٢) . أنَّى يحيي هذه الله بعد موتها؟ وسار حتى تبوَّأ منها منزلا فربط حماره بحبل جديد. وعلَّق سقاءه، وألقى الله عليه السُّبات; فلما نام نزع الله روحه مائة عام; فلما مرّت من المائة سبعون عامًا، أرسل الله مَلَكًا إلى مَلِك من ملوك فارس عظيم يقال له:يوسك"، (٣) . فقال: إن الله يأمرك أن تنفر بقومك فتعمِّر بيت المقدس وإيليا وأرضها، حتى تعود أعمَر ما كانت، فقال الملك: أنظرني ثلاثه أيام حتى أتأهب لهذا العمل ولما يصلحه من أداء العمل، فأنظره ثلاثة أيام، فانتدب ثلاثمائة قَهْرَمان، ودفع إلى كل قَهْرَمَان ألف عامل، وما يصلحه من أداة العمل، (٤) . فسار إليها قهارمته، ومعهم ثلاثمائة ألف عامل; (٥) . فلما وقعوا في العمل، ردّ الله روح الحياة في عين أرميا، وآخِرُ جسده ميت، (٦) . فنظر إلى إيليا وما حولها من القُرى والمساجد والأنهار والحُروث تعمل وتعمِّر وتتجدد، (٧) . حتى صارت كما كانت. وبعد ثلاثين سنة تمام المائه، رد إليه الروح، فنظر إلى طعامه وشرابه لم يتسنَّه، ونظر إلى حماره واقفًا كهيئته يوم ربطه لم يطعم ولم يشرب، ونظر إلى الرُّمة في عنق الحمار لم تتغير جديدة، (٨) . وقد أتى على ذلك ريحُ مائة عام، وبرد مائة عام، وحرُّ مائة عام، لم تتغير ولم تنتقض شيئًا، (٩) . وقد نحل جسم أرميا من البلى، فأنبت الله له لحمًا جديدًا، ونشز عظامه وهو ينظر، فقال له الله: (انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آيه للناس وانظر إلى العظام كيف نُنْشِزها ثم نكسوها لحمًا فلما تبين لهُ قال أعلم أن الله على كل شيء قدير) . (١٠) .

٥٩١٢- حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول في قوله: (أنّى يحيي هذه الله بعد موتها) : أن أرميا لما خُرِّب بيت المقدس وحُرِّقت الكتب، وقف في ناحية الجبل، فقال: (أنَّى يحيي هذه الله بعد موتها، فأماته الله مائة عام) ثم ردّ الله من رد من بني إسرائيل على رأس سبعين سنة من حين أماته يعمرونها ثلاثين سنة تمام المائة; فلما ذهبت المائة ردّ الله روحه وقد عمِّرت على حالها الأولى، فجعل ينظر إلى العظام كيف تلتام بعضها إلى بعض، (١١) . ثم نظر إلى العظام كيف تكسى عصبًا ولحمًا. فلما تبين له ذلك قال: (أعلم أن الله على كل شيء قدير) فقال الله تعالى ذكره: (انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنَّه) قال: فكان طعامه تينًا


(١) في المطبوعة والمخطوطة"ونظر إلى خراب" والصواب حذف هذه الواو، وانظر التعليق التالي.
(٢) في المطبوعة: "ورأى هدم ... "، وفي المخطوطة: "وسياق المعنى يقتضى إثبات ما في المخطوطة، وحذف الواو من"ونظر" كما سلف في التعليق قبله.
(٣) لم أعرف صحة هذا الاسم ولم أجده في كتاب آخر.
(٤) القهرمان: من أمناء الملك وخاصته، كالخازن والوكيل الحافظ لما تحت يده، والقائم بأمور الرجل.
(٥) في المطبوعة: "قهرمته"، والقهارمة جمع قهرمان.
(٦) في المطبوعة: "وآخر جسده ميتا"، والصواب ما في المخطوطة في هذا الموضع، وفيما سيأتي في المخطوطة والمطبوعة رقم: ٥٩٣٨ وقوله: "آخر" هنا بمعنى: الباقى بعد رده الروح رأسه. وهو مجاز عربي لا يعاب. وانظر التعليق على رقم: ٥٩٣٨ فيما سيأتي بعد.
(٧) هكذا في المطبوعة والمخطوطة: "والحروث"، وأخشى أن يكون الصواب: "والحراث" جمع حارث، وهو الذي يحرث الأرض.
(٨) الرمة (بضم الراء، أو كسرها، وتشديد الميم) : قطعة من حبل يقيد به الأسير، أو يوضع في عنق البعير، وأصحاب اللغة يقولون: هي القطعة البالية. ولكنه هنا استعملها بغير هذه الصفة، بل وصفها بأنها رمة جديدة، وهو جيد لا بأس به.
(٩) في المخطوطة والمطبوعة: "لم تنتقص" بالصاد المهملة، وهو خطأ، والصواب ما أثبت.
انتض الحبل وغيره، فسد ما أبرمت منه وضعت قواه وبليت. وقوله: "شيئا"، أي قليلا ولا كثيرا، وهو تعبير جيد في العربية.
(١٠) الأثر: ٥٩١١ -"محمد بن عسكر"، هو: محمد بن سهل بن عسكر البخاري، مضت ترجمته في رقم: ٥٥٩٨. و"ابن زنجويه" رجلان: محمد بن عبد الملك بن زنجويه البغدادي، روى عنه الأربعة وعبد الله بن أحمد وآخرون. مات سنه ٢٥٨. وهو ثقة كثير الخطأ،
والآخر: حميد بن مخلد بن قتيبة الأزدى، روى عنه أبو داود، والنسائي، وأبو زرعة، وأبو حاتم وغيرهم. كان حسن الفقه، وكتب ورحل، وكان رأسا في العلم، قال أبو عبيد القاسم بن سلام: "ما قدم علينا من فتيان خراسان مثل ابن زنجويه وابن شبويه". اختلف في وفاته بين سنة ٢٤٧، إلى سنة ٢٥١.
وأطن هذا هو شيخ الطبري، ولعل فيما يأتي ما يرجح تعيينه إن شاء الله.
(١١) التأم الشيء يلتئم، والتام يلتام (بتسهيل الهمزة) : إذا انضم بعضه إلى بعض واجتمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>