وأما قوله:(ثم ادعهن) فإن معناه ما ذكرت آنفًا عن مجاهد، أنه قال: هو امه أمر أن يقول لأجزاء الأطيار بعد تفريقهن على كل جبل:"تعالين بإذن الله".
* * *
فإن قال قائل: أمِر إبراهيم أن يدعوهنّ وهن ممزَّقات أجزاء على رؤوس الجبال أمواتًا، أم بعد ما أحيِين؟ فإن كان أمر أن يدعوهنّ وهن ممزقات لا أرواح فيهن، فما وجه أمر من لا حياة فيه بالإقبال؟ وإن كان أمر بدعائهن بعد ما أحيين، فما كانت حاجة إبراهيم إلى دعائهن، وقد أبصرهن يُنْشرن على رؤوس الجبال؟ قيل: إن أمر الله تعالى ذكره إبراهيمَ صلى الله عليه وسلم بدعائهن وهن أجزاء متفرقات، إنما هو أمر تكوين = كقول الله للذين مسخهم قرَدة بعد ما كانوا إنسًا:(كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ)[البقرة: ٦٥] = لا أمرَ عبادةٍ، فيكون محالا إلا بعد وجُود المأمور المتعبَّد.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٦٠) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: (واعلم) يا إبراهيم، أن الذي أحيا هذه الأطيار بعد تمزيقك إياهن، وتفريقك أجزاءهن على الجبال، فجمعهن وردّ إليهن الروح، حتى أعادهن كهيئتهنّ قبل تفريقكَهُنّ = (عزيز) ، في بطشه إذا بطش بمن بطش من الجبابرة والمتكبرة، الذين خالفوا أمرَه، وعصوا رُسله، وعبدوا غيره، وفي نقمته حتى ينتقم منهم = (حكيم) في أمره.
* * *
٦٠٢٦ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا ابن إسحاق: (واعلم أن الله عزيز حكيم) ، قال: عزيز في بطشه، حكيم في أمره.