للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن ذلك يقال للقدر الثخينة البطيئة الغلي:"قِدْرٌ صَلود"،"وقد صَلدت تصْلُدُ صُلودًا، ومنه قول تأبط شرًّا:

وَلَسْتُ بِجِلْبٍ جِلْبِ رَعْدٍ وَقِرَّةٍ ... وَلا بِصَفًا صَلْدٍ عَنِ الخَيْرِ أعْزَلِ (١)

* * *

ثم رجع تعالى ذكره إلى ذكر المنافقين الذين ضرب المثلَ لأعمالهم، فقال: فكذلك أعمالهم بمنزلة الصَّفوان الذي كان عليه تراب، (٢) . فأصابه الوابلُ من المطر، فذهب بما عليه من التراب، فتركه نقيًّا لا تراب عليه ولا شيء = يراهُم المسلمون في الظاهر أنّ لهم أعمالا - كما يُرى التراب على هذا الصفوان - بما يراؤونهم به، فإذا كان يوم القيامة وصاروا إلى الله، اضمحلّ ذلك كله، لأنه لم يكن لله،


(١) اللسان (جلب) (عزل) ، وغيرهما. ولم أجد القصيدة، ولكني وجدت منها أبياتًا متفرقة ورواية اللسان والمطبوعة وغيرهما: وَلَسْتُ بِجِلْبٍ جِلْبِ رِيحٍ وَقِرَّةٍ ... وَلاَ بِصَفًا صَلْدٍ عَنِ الخَيْرِ مَعْزِلِ
ولكنه في المطبوعة واللسان أيضًا"جلب ليل"، والظاهر أن المطبوعة نقلت البيت من اللسان (جلب) دون إشارة إلى ما كان في المخطوطة، ولكنى أثبت رواية المخطوطة، فإنها لا تغير وهي سليمة المعاني.
الجلب (بكسر الجيم أو ضمها وسكون اللام) : هو السحاب المعترض تراه كأنه جبل، ويقال أيضًا: هو السحاب الرقيق الذي لا ماء فيه. ورواية الطبري في المخطوطة تقتضي المعنى الأول: والقرة (بكسر القاف) والقر (بضمها) : البرد الشديد، يقول: لست امرءًا خاليا من الخير، بل مطيفًا بالأذى، كهذا السحاب المخيل المتراكم، مخيف برعده، ويلذغ ببرده، ولا غيث معه. أما رواية اللسان وغيره، فشرحها على معنى السحاب الرقيق جيد. وقوله: "أعزل" من"عزل الشيء يعزله" إذا نحاه جانبًا وأبعده، كما سموا الزمل المنقطع المنفرد المنعزل"أعزل"، فهو من صميم مادة اللغة، وإن لم يأتوا عليه في كتب اللغة بشاهد. وهذا شاهده بلا شك. أما قوله في الرواية الأخرى"معزل" فهو بمعنى ذلك أيضًا: معتزل عن الخير، أو معزول عنه. وهو مصدر ميمي من ذلك، جاء صفة، كما قالوا: "رجل عدل"، وكما قالوا"فلان شاهد مقنع" أي رضا يقنع به، مصدر ميمي من"قنع"، وهذا بيان لا تجده في كتب اللغة فقيده واحفظه.
(٢) في المخطوطة: "عليه ثواب"، وهو تصحيف غث، ولكنه دليل على شدة إهمال الناسخ وعجلته.

<<  <  ج: ص:  >  >>