للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأولى التأويلين بالآية تأويل من قال: إن قولَ الله تبارك اسمه: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) ، نزلت في المنافقين الذين كانوا على عَهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان معنيًّا بها كُلُّ من كان بمثل صفتهم من المنافقين بعدَهم إلى يوم القيامة.

وقد يَحْتمِل قولُ سلمان عند تلاوة هذه الآية:"ما جاء هؤلاء بعدُ"، أن يكون قاله بعد فناء الذين كانوا بهذه الصِّفة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، خبرًا منه عمَّن هو جَاء منهم بَعدَهم ولَمَّا يجئ بعدُ (١) ، لا أنَّه عنَى أنه لم يمضِ ممّن هذه صفته أحدٌ.

وإنما قلنا أولى التأويلين بالآية ما ذكرنا، لإجماع الحجّة من أهل التأويل على أنّ ذلك صفةُ من كان بين ظَهرَانْي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - من المنافقين، وأنّ هذه الآيات فيهم نَزَلَتْ. والتأويل المجمع عليه أولى بتأويل القرآن، من قولٍ لا دلالةَ على صحته من أصل ولا نظير.

والإفساد في الأرض، العمل فيها بما نهى الله جلّ ثناؤه عنه، وتضييعُ ما أمر الله بحفظه، فذلك جملة الإفساد، كما قال جل ثناؤه في كتابه مخبرًا عن قِيلِ ملائكته: (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) [سورة البقرة: ٣٠] ، يعنون بذلك: أتجعل في الأرض من يَعْصِيكَ ويُخالف أمرك؟ فكذلك صفة أهل النفاق: مُفسدون في الأرض بمعصِيَتهم فيها ربَّهم، وركوبهم فيها ما نَهاهم عن ركوبه، وتضييعِهم فرائضَه، وشكِّهم في دين الله الذي لا يقبَلُ من أحدٍ عملا إلا بالتَّصديق به والإيقان بحقيقته (٢) ، وكذبِهم المؤمنين بدَعواهم غير ما هم عليه مقيمُون من الشّك والرَيب، وبمظاهرتهم أهلَ التكذيب بالله وكُتُبه ورسله على أولياء الله، إذا وجدوا إلى ذلك سبيلا. فذلك إفساد المنافقين في أرض الله، وهم


(١) في المطبوعة: "عمن جاء منهم بعدهم"، وهو محيل للمعنى، والصواب من المخطوطة.
(٢) في المطبوعة: "بحقيقه"، والصواب من المخطوطة وابن كثير.

<<  <  ج: ص:  >  >>