للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما ما حكي عن ابن عيينة من التأويل الذي ذكرناه، فتأويلٌ خطأ لا معنى له، لوجوه شتى:

أحدها: أنه خلافٌ لقول جميع أهل التأويل.

والثاني: أنه معلوم أن ضلال إحدى المرأتين في الشهادة التي شهدت عليها، (١) إنما هو ذهابُها عنها ونسيانها إياها، (٢) كضلال الرجل في دينه: إذا تحيَّر فيه فعدَل عن الحق (٣) . وإذا صارت إحداهما بهذه الصفة، فكيف يجوز أن تصير الأخرى ذكرًا معها، مع نسيانها شهادتها وضلالها فيها؟ ولَلضّالة منهما في شهادتها حينئذ، (٤) لا شك أنها إلى التذكير أحوجُ منها إلى الإذكار، إلا إن أراد أنّ الذاكرة إذا ضَعُفت صاحبتُها عن ذكر شهادتها شحذَتها على ذكر ما ضعفت عن ذكره فنسيته، (٥) فقوتها بالذكر حتى صيرتها كالرجل في قوتها في ذكر ما ضعفت عن ذكره من ذلك، (٦) كما يقال للشيء القوي في عمله:"ذَكرٌ"، وكما يقال للسيف الماضي في ضربه:"سيف ذكر"، و"رجل ذَكَر" يراد به: ماض في عمله، قويّ البطش، صحيحُ العزم.

فإن كان ابن عيينة هذا أراد، فهو مذهبٌ من مذاهب تأويل ذلك؟


(١) في المطبوعة: "أنه معلوم بأن ضلال. . . " بزيادة الباء، وهو لا خير فيه، والصواب من المخطوطة.
(٢) في المطبوعة: "إنما هو خطؤها عنها بنسيانها"، والصواب من المخطوطة، غير أنها أسقطت الواو قبل"ونسيانها".
(٣) انظر تفسير"الضلال" فيما سلف ١: ١٩٥ / ثم ٢: ٤٩٥، ٤٩٦.
(٤) في المطبوعة: "فالضالة منهما"، وفي المخطوطة: "ولا الضالة منهما"، والصواب ما أثبت.
(٥) في المطبوعة: "ستجرئها على ذكر ما ضعفت عن ذكره. . . "، وفي المخطوطة: "سحدتها" غير منقوطة، وصواب قراءتها ما أثبت. مجاز من قولهم: "شحذ السكين والسيف": حدده بالمسن ومنه: "شحذ الجوع معدته"، إذا أضرمها وقواها على الطعام وأحدها. ويقال: "اشحذ له غرب ذهنك"، و"هذا الكلام مشحذة للفهم".
(٦) في المخطوطة: "فقوته بالذكر"، وما في المطبوعة أجود.

<<  <  ج: ص:  >  >>