فزعموا أن السُّمر -وهي القَنَا- لا لعب منها، ولكنها لما قتلتْهم وشرَّدتهم، جَعل ذلك مِنْ فعلها لعبًا بمن فعلت ذلك به. قالوا: فكذلك اسْتهزاءُ الله جل ثناؤه بمن اسْتهزأ به من أهل النفاق والكفر به: إمّا إهلاكه إياهم وتدميرُه بهم، وإمّا إملاؤهُ لهم ليأخذهم في حال أمنهم عند أنفسهم بغتةً، أو توبيخه لهم ولأئمته إياهم. قالوا: وكذلك معنى المكر منه والخديعة والسُّخرية.
وقال آخرون قوله:(يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ)(١)[سورة النساء: ١٤٢] على الجواب، كقول الرجل لمن كان يَخْدَعه إذا ظفر به:"أنا الذي خدعتُك"، ولم تكن منه خديعة، ولكن قال ذلك إذ صار الأمر إليه. قالوا: وكذلك قوله: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)[سورة آل عمران: ٥٤] ، و"الله يستهزئ بهم"، على الجواب. والله لا يكونُ منه المكرُ ولا الهُزْء، والمعنى أن المكرَ والهُزْءَ حاق بهم.
وقال آخرون: قوله: (إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) ، وقوله:(يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ)[سورة النساء: ١٤٢] ، وقوله:(فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ)[سورة التوبة: ٧٩] ، (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ)[سورة التوبة: ٦٧] ، وما أشبه ذلك، إخبارٌ من الله أنه مجازيهم جزاء الاستهزاء، ومعاقبهم عقوبةَ الخداع. فأخرج خبرَه عن جزائه إياهم وعقابه لهم، مُخْرَج خبره عن فعلهم الذي عليه استحقُّوا العقاب في اللفظ، وإن اختلف المعنيان. كما قال جل ثناؤه:(وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا)[سورة الشورى: ٤٠] ، ومعلومٌ أن الأولى من صاحبها سيئة، إذْ كانت منه لله تبارك وتعالى معصية، وأن الأخرى عَدلٌ، لأنها من الله جزاءٌ
(١) في المخطوطة والمطبوعة: "يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم"، وهي آية سورة البقرة: ٩، ولم يرد الطبري إلا آية سورة النساء، كما يدل عليه سياق كلامه، وكما ستأتي الآية بعد أسطر.