للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما اكتسبت، وما أضمرته قلوبنا وأخفته أنفسنا -: من هم بذنب، أو إرادة لمعصية - لم تكتسبه جوارحنا؟

قيل له: إن الله جل ثناؤه قد وعد المؤمنين أن يعفو لهم عما هو أعظم مما هم به أحدهم من المعاصي فلم يفعله، وهو ما ذكرنا من وعده إياهم العفو عن صغائر ذنوبهم إذا هم اجتنبوا كبائرها، وإنما الوعيد من الله عز وجل بقوله:"ويعذب من يشاء"، سعلى ما أخفته نفوس الذين كانت أنفسهم تخفي الشك في الله، والمرية في وحدانيته، أو في نبوة نبيه صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله، أو في المعاد والبعث - من المنافقين، (١) على نحو ما قال ابن عباس ومجاهد، ومن قال بمثل قولهما، إن تأويل قوله:"أو تخفوه يحاسبكم به الله"، على الشك واليقين.

غير أنا نقول إن المتوعد بقوله:"ويعذب من يشاء"، هو من كان إخفاء نفسه ما تخفيه الشك والمرية في الله، (٢) وفيما يكون الشك فيه بالله كفرا = والموعود الغفران بقوله: (٣) "فيغفر لمن يشاء" هو الذي إخفاء ما يخفيه، (٤) الهمة بالتقدم على بعض ما نهاه الله عنه من الأمور التي كان جائزا ابتداءً تحليلُه وإباحته، فحرمه على خلقه جل ثناؤه = (٥) أو على ترك بعض ما أمر الله بفعله، مما كان جائزا ابتداءً إباحة تركه، فأوجب فعله على خلقه. فإن الذي يهم بذلك من المؤمنين - إذا هو لم يصحح همه بما يهم به، ويحقق ما أخفته نفسه من ذلك


(١) سياق الجملة: "على ما أخفته نفوس الذين كانت أنفسهم تخفي الشك في الله. . من المنافقين"، وما بينهما صفات فاصلة.
(٢) قوله: "الشك والمرية. . . " خبر"كان".
(٣) قوله: "الموعود" منصوب معطوف على قوله"إن المتوعد. . . "، وقوله: "الغفران" منصوب باسم المفعول وهو"الموعود"، أي الذي وعد الغفران.
(٤) في المطبوعة: "هو الذي أخفى وما يخفيه الهمة بالتقدم. . . " وفي المخطوطة: "هو الذي إحفا وما يخفيه +الهمه" غير منقوطة بهذا الرسم: وصواب قراءة المخطوطة هو ما أثبت.
(٥) قوله: "أو على ترك. . . " معطوف على قوله آنفًا: "بالتقدم على بعض ما نهاه. . . "

<<  <  ج: ص:  >  >>