الخبر عن مَثَل المنافقين، الخبرُ عن مَثَل استضاءتهم بما أظهروا بألسنتهم من الإقرار وهم لغيره مستبطنون - من اعتقاداتهم الرَّديئة، وخلطهم نفاقَهم الباطن بالإقرار بالإيمان الظاهر. والاستضاءَةُ - وإن اختلفت أشخاص أهلها - معنًى واحد، لا معانٍ مختلفة. فالمثل لها في معنى المثَل للشخص الواحد، من الأشياء المختلفة الأشخاص.
وتأويل ذلك: مَثلُ استضاءة المنافقين بما أظهروه من الإقرار بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، قولا وهُم به مكذبون اعتقادًا، كمثَل استضاءة المُوقِد نارًا. ثم أسقط ذكر الاستضاءة، وأضيف المثَلُ إليهم، كما قال نابغةُ بني جَعْدَة:
وَكَيْفَ تُوَاصِل من أَصْبَحَتْ ... خِلالَتُهُ كَأَبِي مَرْحَبِ (١)
يريد: كخلالة أبي مَرْحب، فأسقط "خلالة"، إذ كان فيما أظهرَ من الكلام، دلالةٌ لسامعيه على ما حذف منه. فكذلك القول في قوله:(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا) ، لما كان معلومًا عند سامعيه بما أظهرَ من الكلام، أنّ المثلَ إنما ضُرِب لاستضاءة القوم بالإقرار دون أعيان أجسامهم - حَسُن حذفُ ذكر الاستضاءة، وإضافة المثل إلى أهله. والمقصود بالمثل ما ذكرنا. فلما وَصَفنا، جاز وحَسُنَ قوله:(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا) ، ويشبه مثل الجماعة في اللفظ بالواحد، إذ كان المراد بالمثل الواحد في المعنى.
وأما إذا أريدَ تشبيهُ الجماعة من أعيان بني آدم - أو أعيان ذوي الصور والأجسام، بشيء - فالصَّواب من الكلام تشبيهُ الجماعة بالجماعة، والواحدُ بالواحد، لأن عينَ كل واحد منهم غيرُ أعيان الآخرين.
ولذلك من المعنى، افترق القولُ في تشبيه الأفعال والأسماء. فجاز تشبيهُ أفعال الجماعة من الناس وغيرهم - إذا كانت بمعنى واحدٍ - بفعل الواحد،
(١) الشعر للنابغة الجعدي. اللسان (رحب) و (خلل) . والخلة والخلالة: الصداقة المختصة التي ليس في علاقتها خلل. وأبو مرحب: كنية الظل، يريد أنها تزول كما يزول الظل، لا تبقى به مودة.