للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كذلك، وكان معلومًا أن منهم من أنزل عليه الكتابَ، وأنّ منهم من لم ينزل عليه الكتاب = كان بينًا أن قراءة من قرأ ذلك:"لمِا آتيتكم"، بكسر"اللام"، بمعنى: من أجل الذي آتيتكم من كتاب، لا وجه له مفهومٌ إلا على تأويل بعيد، وانتزاع عميق.

* * *

ثم اختلف أهل التأويل فيمن أخذ ميثاقه بالإيمان بمن جاءه من رُسل الله مصدّقًا لما معه.

فقال بعضهم: إنما أخذ الله بذلك ميثاقَ أهل الكتاب دون أنبيائهم. واستشهدوا لصحة قولهم بذلك بقوله:"لتؤمنن به ولتنصرنه". قالوا: فإنما أمر الذين أرسلت إليهم الرّسل من الأمم بالإيمان برسل الله ونُصْرتها على من خالفها. وأما الرسل، فإنه لا وجه لأمرها بنصرة أحد، لأنها المحتاجةُ إلى المعونة على من خالفها من كفَرة بني آدم. فأما هي، فإنها لا تعين الكفرة على كفرها ولا تنصرها. قالوا: وإذا لم يكن غيرُها وغيرُ الأمم الكافرة، فمن الذي ينصر النبي، فيؤخذ ميثاقه بنصرته؟

ذكر من قال ذلك:

٧٣٢٣ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"وإذ أخذَ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة"، قال: هي خطأ من الكاتب، وهي في قراءة ابن مسعود:"وإذ أخذَ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب". (١)


(١) بمثل هذا الأثر، يستدل من يستدل من جهله المستشرقين وأشياعهم، على الخطأ والتحريف في كتاب الله المحفوظ. وهم لم يكونوا أول من قال به، بل سبقهم إليه أسلافهم من غلاة الرافضة وأشباههم من الملحدة. ولم يقصر علماء أهل الإسلام في بيان ما قالوه، وفي تعقب آرائهم وبيان فسادها، ووهن حجتها. ومن أعظم ما قرأت في ذلك، كتاب"الانتصار لنقل القرآن"، للقاضي الباقلاني، وهو كتاب مخطوط لا يزال، وهي في ملك أخي السيد أحمد صقر، وهو أمين على نشره. وقد عقد القاضي بابًا، بل أبوابًا، في تعلق القائلين بذلك، بالشواذ من القراءات، والزيادات المروية عن السلف رواية الآحاد، وكشف عن فساد تعلقهم بذلك فيما راموه من الطعن في نقل المصحف. وقد أطال في ذلك واستوعب، وذكرها مفصلة، وذكر الروايات التي رويت في ذلك. ومما قال في باب منه: "وأما نحن، وإن كنا نوثق جميع من ذكرنا من السلف وأتباعهم، فإنا لا نعتقد تصديق جميع ما يروى عنهم، بل نعتقد أن فيه كذبًا كثيرًا قد قامت الدلالة على أنه موضوع عليهم، وأن فيه ما يمكن أن يكون حقًا عنهم، وما يمكن أن يكون باطلا، ولا يثبت عليهم من طريق العلم البتات، بأخبار الآحاد. وإذا كان ذلك كذلك، وكانت هذه القراءات والكلمات المروية عن جماعة منهم، المخالفة لما في مصحفنا، مما لا نعلم صحتها وثبوتها، وكنا مع ذلك نعلم اجتماعهم على تسليم مصحف عثمان، وقراءتهم وإقراءهم ما فيه، والعمل به دون غيره = لم يجب أن نحفل بشيء من هذه الروايات عنهم، لأجل ما ذكرنا".
قلت: والقول الذي ذكره مجاهد، أنه: "خطأ من الكاتب"، إنما عنى به أن قراءة ابن مسعود هي القراءة التي كانت في العرضة الأخيرة، وأن الكاتب كتب القراءة التي كانت قبل العرضة الأخيرة، وأنه كان عليه أن يكتب ما كان في العرضة الأخيرة، فأخطأ وكتب القراءة الأولى. ولم يرد بقوله: "خطأ من الكاتب"، أنه وضع ذلك من عند نفسه. كيف؟ والقرآن متلقى بالرواية والوراثة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا بما هو مكتوب في الصحف!! هذا بيان قد تعجلته، ولتفصيل هذا موضع غير الذي نحن فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>