للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذه الأقوال التي ذكرنا عمن رويناها عنه، فإنها - وإن اختلفت فيها ألفاظ قائليها - متقارباتُ المعاني، لأنها جميعًا تُنبئ عن أن الله ضَرَب الصيِّب لظاهر إيمان المنافق مَثلا وَمثَّلَ ما فيه من ظلمات لضلالته، وما فيه من ضياء برقٍ لنور إيمانه (١) ؛ واتقاءه من الصواعق بتصيير أصابعه في أذنيه، لضَعف جَنانه ونَخْبِ فؤاده من حُلول عقوبة الله بساحته (٢) ؛ وَمشيَه في ضوء البرق باستقامته على نور إيمانه؛ وقيامَه في الظلام، لحيرته في ضلالته وارتكاسه في عَمَهه (٣) .

فتأويل الآية إذًا -إذْ كان الأمر على ما وصفنا- أو مَثَلُ ما استضاء به المنافقون - من قيلهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بألسنتهم: آمنا بالله وباليوم الآخر وبمحمد وما جاء به، حتى صار لهم بذلك في الدنيا أحكامُ المؤمنين، وهم - مع إظهارهم بألسنتهم ما يُظهرون - بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله وباليوم الآخر، مكذِّبون، ولخلاف ما يُظهرون بالألسُن في قلوبهم معتقدون، على عمًى منهم، وجهالة بما هم عليه من الضلالة، لا يدرون أيّ الأمرين اللذين قد شَرَعا لهم [فيه] الهداية (٤) ، أفي الكفر الذي كانوا عليه قبل إرسال الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بما أرسله به إليهم، أم في الذي أتاهم به محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربهم؟ فهم من وعيد الله إياهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وَجِلون، وهم مع وجلهم من ذلك في حقيقته شاكُّون، في قلوبهم مَرَض فزادهمُ الله مَرَضًا. كمثل غَيثٍ سَرى ليلا في مُزنة ظلماء


(١) في المخطوطة: "بضلالته. . . بنور إيمانه".
(٢) في المطبوعة: "وتحير فؤاده". والنخب: الجبن وضعف القلب. ورجل نخب ونخيب ومنخوب الفؤاد: جبان لا خير فيه، كأنه منتزع الفؤاد، فلا فؤاد له.
(٣) في المطبوعة: "باستقامته. . بحيرته في ضلالته. . "
(٤) في المخطوطة: "سرعا" غير واضحة ولا منقوطة. ولعل الصواب"شرعا" من قولهم شرعت الإبل الماء: أي دخلته وخاضت فيه لتشرب منه. والمنافق يخوض في الإيمان بلسانه وفي الكفر بقلبه. وزدت ما بين القوسين ليستقيم المعنى. وفي المطبوعة بعد: "الهداية في الكفر الذي كانوا عليه"، بغير ألف الاستفهام، وهو خطأ لا يستقيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>