للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يراد به أدْبارُهم. وإنما جاز ذلك عندي، لأن في الكلام ما يَدُلّ على أنه مُرادٌ به الجمع، فكان في دلالته على المراد منه، وأداء معنى الواحد من السمع عن معنى جماعة، مُغنيًا عن جِمَاعه (١) . ولو فعل بالبصر نظيرَ الذي فعل بالسمع، أو فعل بالسمع نظير الذي فعل بالأبصار -من الجمع والتوحيد- كان فصيحًا صحيحًا، لما ذكرنا من العلة، كما قال الشاعر:

كُلُوا فِي بَعْضِ بَطْنِكُمُ تَعِفُّوا ... فَإِنَّ زَمَانَنَا زَمَنٌ خَمِيصُ (٢)

فوحّد البطن، والمرادُ منه البطون، لما وصفنا من العلة.

* * *

القول في تأويل قوله جل ثناؤه: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠) }

قال أبو جعفر: وإنما وَصف الله نفسه جلّ ذكره بالقدرة على كل شيء في هذا الموضع، لأنه حذَّر المنافقين بأسه وسطوته، وأخبرهم أنه بهم مُحيطٌ، وعلى إذهاب أسماعهم وأبصارهم قَديرٌ. ثم قال: فاتقوني أيُّها المنافقون، واحذرُوا خِداعي وخداعَ رسولي وأهلِ الإيمان بي، لا أحِلَّ بكم نقمتي، فإني على ذلك وعلى غيره من الأشياء قدير. ومعنى"قدير" قادر، كما معنى"عليم" عالم، على ما وصفتُ فيما


(١) في المطبوعة: "فكان فيه دلالة على المراد منه، وأدى معنى الواحد من السمع عن معنى جماعة، مغنيًا عن جماعة"، وهو كلام لا معنى له. وفي المخطوطة: ". . على المراد منه واوا معنى الواحد. . "، وقد صححت قراءتها كما ترى. وقوله" مغنيًا عن جماعه" أي عن جمعه، والطبري يكثر استعمال"جماع" مكان جمع، كما مضى وكما سيأتي.
(٢) البيت من أبيات سيبويه التي لا يعلم قائلها، سيبويه ١: ١٠٨، والخزانة ٣: ٣٧٩ - ٣٨١، وانظر أمالي ابن الشجري ١: ٣١١، ٢: ٣٥، ٣٨، ٣٤٣، وروايته: "في نصف بطنكم". وفي المخطوطة: "تعيشوا"، مكان"تعفوا"، وهي رواية ذكرها صاحب الخزانة. وروايتهم جميعًا "فإن زمانكم. . ".

<<  <  ج: ص:  >  >>