للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القول في تأويل قوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١) }

قال أبو جعفر: وتأويل ذلك: لعلكم تتقون بعبادتكم ربَّكم الذي خلقكم، وطاعتِكم إياه فيما أمركم به ونهاكم عنه، وإفرادكُم له العبادة (١) لتتقوا سَخَطه وغضَبه أن يَحلّ عليكم، وتكونُوا من المتقين الذين رضي عنهم ربهم.

وكان مجاهدٌ يقولُ في تأويل قوله:"لعلكم تتقون": تُطيعون.

٤٧٤- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثني أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد، في قوله:"لعلكم تتقون"، قال: لعلكم تطيعون (٢) .

قال أبو جعفر: والذي أظن أنّ مجاهدًا أراد بقوله هذا: لعلكم أنْ تَتقوا رَبَّكم بطاعتكم إياه، وإقلاعِكم عن ضَلالتكم.

قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: فكيف قال جل ثناؤه:"لعلكم تتقون"؟ أو لم يكن عالمًا بما يصيرُ إليه أمرُهم إذا هم عبدوه وأطاعُوه، حتى قال لهم: لعلكم إذا فعلتم ذلك أن تتقوا، فأخرج الخبر عن عاقبة عبادتهم إياه مخرج الشكّ؟

قيل له: ذلك على غير المعنى الذي توهَّمتَ، وإنما معنى ذلك: اعبدُوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم، لتتقوه بطاعته وتوحيده وإفراده بالربوبية والعبادة (٣) ، كما قال الشاعر:

وَقُلْتُمْ لَنَا كُفُّوا الْحُرُوبَ، لَعَلَّنَا ... نَكُفُّ! وَوَثَّقْتُمْ لَنَا كُلَّ مَوْثِقِ (٤) فَلَمَّا كَفَفْنَا الْحَرْبَ كَانَتْ عُهُودُكُمْ ... كَلَمْحِ سَرَابٍ فِي الْفَلا مُتَأَلِّقِ (٥)


(١) في المطبوعة: "له بالعبادة" وهو خطأ.
(٢) الأثر ٤٧٤- في الدر المنثور ١: ٣٤.
(٣) يريد الطبري أن العرب تستعمل"لعل" مجردة من الشك، بمعنى لام كي، كما قال ابن الشجري في أماليه ١: ٥١.
(٤) لم أعرف قائلهما، ورواهما ابن الشجري نقلا عن الطبري، فيما أرجح، في أماليه ١: ٥١.
(٥) رواية ابن الشجري"في الملا". والفلا جمع فلاة: وهي الأرض المستوية ليس فيها شيء والصحراء الواسعة. والملا: الصحراء والمتسع من الأرض - فهما سواء في المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>