للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَنْتنِي حَانِيَاتُ الدَّهْرِ حَتَّى ... كأَنِّي خَاتِلٌ أَدْنُو لِصَيْدِ (١)

قَرِيبُ الخَطُوِ يَحْسِبُ مَنْ رَآنِي ... وَلْسُت مقَيدًا أَنِّى بِقَيْدِ

فأوجب إعمال فعل محذوف، وإظهار صلته وهو متروك. (٢) وذلك في مذاهب العربية ضعيف، ومن كلام العرب بعيد. وأما ما استشهد به لقوله من الأبيات، فغير دالّ على صحة دعواه، لأن في قول الشاعر:"رأتني بحبليها"، دلالة بينة في أنها رأته بالحبل ممسكًا، ففي إخباره عنها أنها"رأته بحبليها"، إخبارٌ منه أنها رأته ممسكًا بالحبلين. فكان فيما ظهر من الكلام مستغنًى عن ذكر"الإمساك"، وكانت"الباء" صلة لقوله:"رأتني"، كما في قول القائل: (٣) "أنا بالله"، مكتف بنفسه، ومعرفةِ السامع معناه، أن تكون"الباء" محتاجة إلى كلام يكون لها جالبًا غير الذي ظهر، وأن المعنى:"أنا بالله مستعين".

* * *


(١) كتاب المعمرين: ٥٧، ومعاني القرآن للفراء ١: ٢٣٠، والأغاني ٢: ٣٥٣، ٣٥٦، وفيه أيضا ١٢: ٣٤٧، وحماسة البحتري: ٢٠٢، وأمالي القالي ١: ١١٠، وأمالي الشريف ١: ٤٦، ٢٥٧، ومجموعة المعاني: ١٢٣، والمعاني الكبير: ١٢١٤، مع اختلاف كبير في الرواية، واللسان (ختل) ، وغيرها. هذا، وقد اقتصرت المطبوعة والمخطوطة على البيت الأول، وهو عمل فاسد جدًا، وليس من فعل أبي جعفر بلا شك، ولكنه من سهو الناسخ. لأن أبا جعفر نقل مقالة الفراء في معاني القرآن، وإسقاط البيت الثاني، وهو بيت الشاهد، فساد عظيم، فأثبت البيت، وأثبت أيضًا تعقيب الفراء عليه، وهو قوله: "يريد مقيدًا بقيد"، ولم أضع هذا بين أقواس، لأن سهو الناسخ أمر مقطوع به بالدليل البين.
وكان في المخطوطة والمطبوعة: "أحنو لصيد"، وهو تصحيف لا شك فيه. ذلك أن أبا جعفر إنما ينقل مقالة الفراء، وهو في كتاب الفراء، وفيما نقله عنه الناقلون في المراجع السالفة، هو الذي أثبته. هذا مع ظهور التصحيف وقربه، ومع فساد معنى هذا التصحيف، ومع فقدان هذه الرواية الغريبة. وقوله: "خاتل"، يعني صائدًا، يقال: "ختل الصيد"، أي: استتر الصائد بشيء ليرمي الصيد، فهو في سبيل ذلك يمشي قليلا قليلا في خفية، لئلا يسمع الصيد حسه. فهذا هو الختل والمخاتلة.
(٢) "الصلة" هنا: الجار والمجرور.
(٣) في المطبوعة: "كما في قول القائل" بزيادة"في"، وهي أشد إفسادًا للكلام من تصحيف هذا الناسخ في بعض ما يكتب. وقوله: "مكتف بنفسه" خبر لقوله: "كما قول القائل" وقوله: "ومعرفة السامع" معطوف على قوله: "بنفسه" أي: مكتف بنفسه وبمعرفة السامع معناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>