للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه الجنة عرضها السموات والأرض، فأين النار؟ فقال: هذا النهار إذا جاء، أين الليل.

*ذكر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره.

٧٨٣١- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني مسلم بن خالد، عن ابن خثيم، عن سعيد بن أبي راشد، عن يعلى بن مرة قال: لقيت التنوخيّ رسول هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص، شيخًا كبيرًا قد فُنِّد. (١) قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب هرقل، فناول الصحيفة رجلا عن يساره. قال قلت: من صاحبكم الذي يقرأ؟ قالوا: معاوية. فإذا كتاب صاحبي:"إنك كتبت تدعوني إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، (٢) فأين النار؟ " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله! فأين الليل إذا جاء النهار؟ (٣)


(١) في المطبوعة: "قد أقعد". وهو خطأ لا شك فيه، وفي تفسير ابن كثير ٢: ٢٤٠"قد فسد"، وهو خطأ أيضًا، ولكنه رجع عندي أن نص الطبري هنا قد"فند" (بضم الفاء وتشديد النون المكسورة مبنيًا للمجهول) بمعنى: قد نسب إلى الفند (بفتحتين) وهو العجز، والخرف وإنكار العقل من الهرم والمرض، ولم يرد ذلك إنما أراد الكبر والهرم إلى أقصى العمر. وأهل اللغة يقولون في ذلك"أفند" (بالبناء للمعلوم) ، وأفنده الكبر: إذا أوقعه في الفند، وأما رواية أحمد في المسند، فنصها: "شيخًا كبيرًا قد بلغ الفند أو قرب".
(٢) في المطبوعة: "فإذا هو أنك كتبت تدعوني"، وهو محاولة تصحيح لما في المخطوطة، وكان فيها: "فإذا كان كتبت تدعوني"، والصواب الذي أثبته من ابن كثير في تفسيره ٢: ٢٤١، ومثله في خبر أحمد في مسنده.
(٣) الحديث: ٧٨٣١-"مسلم بن خالد": هو الزنجي المكي الفقيه، شيخ الإمام الشافعي. وهو في نفسه صدوق، ولكنه يخطئ كثيرًا في روايته، حتى قال البخاري: "منكر الحديث" ولذلك رجحنا تضعيفه في المسند: ٦١٣. ابن خثيم - بضم الخاء المعجمة ثم فتح الثاء المثلثة: هو عبد الله بن عثمان بن خثيم، مضت ترجمته في: ٤٣٤١. سعيد بن أبي راشد: في التهذيب ٤: ٢٦ ويقال: ابن ر٠اشد. روى عن يعلى بن مرة الثقفي، وعن التنوخي النصراني رسول قيصر، ويقال: رسول هرقل. وعنه عبد الله بن عثمان بن خثيم. ذكره ابن حبان في الثقات، قلت: وفي الرواة سعيد بن أبي راشد، أو ابن راشد - آخر".
ثم نقل طابع التهذيب هامشة عن الأصل الذي يطبع عنه. وجعل رقمها عند قوله"النصراني" - وهذا نصها: "قال شيخنا: أسلم متأخرًا، عن هذا يقال له أبو محمد المازني، السماك، مذكور في كتاب الضعفاء. نبهت عليه"!!
وهذا تخطيط عجيب من الطابع. فالهامشة أصلها هامشتان يقينًا، كل منهما في موضع، كما هو بديهي.
فإن قوله: "أسلم متأخرًا" هو المناسب لقوله"النصراني". وأما ما بعده، فإنه يريد به أن"سعيد بن راشد" أو"ابن أبي راشد" متأخر عن المترجم الذي يروى عن رسول قيصر، وأن هذا المتأخر هو الذي كنيته"أبو محمد المازني السماك". وهو مترجم في الكبير للبخاري ٢ / ١ / ٤٣١، وقال فيه: "منكر الحديث". وترجمه ابن أبي حاتم ٤ / ١ / ١٩ - ٢٠ برقم: ٨٠، وترجم قبله، برقم: ٧٩"سعيد بن أبي راشد" وأنه صحابي، وترجم بعدهما برقم: ٨١"سعيد بن راشد المرادى" - وهو متأخر عن هذين.
وترجم الحافظ في الإصابة ٣: ٩٦ للصحابي، ثم قال في آخر الترجمة: "وأما سعيد بن أبي راشد شيخ عبد الله بن عثمان بن خثيم، روى عنه عن رسول قيصر حديثًا = فأظنه غير هذا".
وترجم الذهبي في الميزان ١: ٣٧٩ ثلاث تراجم، فرق بينها، وبين ضعف"سعيد بن راشد المازني السماك". وكذلك صنع الحافظ في لسان الميزان ٣: ٢٧ - ٢٨. و"سعيد بن راشد السماك" الضعيف: ترجمه ابن حبان في المجروحين، برقم: ٣٩٨، وأساء القول فيه. والراجح عندي أن"سعيد بن أبي راشد" الذي هنا = هو الصحابي. وأنه روى هذا عن التنوخي رسول هرقل.
يعلى بن مرة: هو الثقفي الصحابي المعروف. وعندي أن ذكره في هذا الإسناد مقحم خطأ، كما سيأتي.
التنوخي رسول هرقل: لم أجد له ترجمة، إلا ذكره بهذا الوصف وأنه روى عنه سعيد بن أبي راشد، كما ذكره الحافظ في التعجيل، ص: ٥٣٥. وإلا الكلمة التي نقلها طابع التهذيب عن هامش أصله بأنه أسلم متأخرًا. فهو بهذا لا يعتبر من الصحابة، لأنه حين لقي النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مسلمًا، وإنما أسلم بعده. ولا يعتبر من الصحابة إلا من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وكان مسلمًا حين الرؤية. أما من رآه وكان كافرًا حين الرؤية ثم أسلم بعد موته صلى الله عليه وسلم -كالتنوخي هذا- فلا صحبة له. انظر تدريب الراوي، ص: ٢٠٢
ولكن روايته تكون صحيحة مقبولة، لأنه كان مسلمًا حين الأداء، أعني التبليغ والتحديث، وإن كان كافرًا حين التحمل، أعني الرؤية وسماع ما يرويه. وانظر أيضًا تدريب الراوي، ص: ١٢٨. وهذا الحديث طرف من حديث طويل في قصة، رواه الإمام أحمد في المسند: ١٥٧١٩ (ج٣ ص ٤٤١ - ٤٤٢ حلبي) ، عن إسحاق بن عيسى -وهو الطباع- عن يحيى بن سليم، وهو الطائفي، "عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن أبي راشد، قال: رأيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحمص، وكان جارًا لي، شيخًا كبيرًا، قد بلغ الفند أو قرب. . ." - إلى آخر القصة.
وقد نقله الحافظ ابن كثير في التاريخ ٥: ١٥ - ١٦، عن المسند -بطوله- وبإسناده، ثم قال: "هذا حديث غريب، وإسناده لا بأس به. تفرد به أحمد". وأشار إليه في التفسير ٢: ٢٤٠، إشارة موجزة.
وقد وقع في نسختي المسند - المطبوعة والمخطوطة: "يحيى بن سليمان"، بدل"يحيى بن سليم". وهو خطأ من الناسخين. وثبت على الصواب في تاريخ ابن كثير. فهذه رواية يحيى بن سليم الطائفي عن ابن خثيم - فيها أن سعيد بن أبي راشد هو الذي لقى التنوخي وسمع منه هذا الحديث.
ويحيى بن سليم: سبق توثيقه في: ٤٨٩٤. وقد تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه، ومهما يقل في حفظه فلا نشك أنه كان أحفظ من مسلم بن خالد الزنجي الضعيف، وخاصة في حديث ابن خثيم، فقد شهد أحمد ليحيى بن سليم بأنه"كان قد أتقن حديث ابن خثيم".
فعن ذلك قطعنا بأن زيادة"عن يعلى بن مرة" - في إسناد الطبري هذا - خطأ ووهم. والراجح أن الخطأ من مسلم بن خالد. ورواية الطبري - هذه - ذكرها ابن كثير في التفسير ٢: ٢٤٠ - ٢٤١، والسيوطي ٢: ٧١، ولم ينسبها لغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>