للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صوته:"أنعمْتَ فعالِ! إن الحرب سجال، يوم بيوم بدر، اعْلُ هُبَل"، أي: أظهر دينك، (١) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر:"قم فأجبه، فقل: الله أعلى وأجل! لا سواء! قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار"! فلما أجاب عمر رضي الله عنه أبا سفيان، قال له أبو سفيان:"هلم إليَّ يا عمر"! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ائته فانظر ما شأنُه"؟ فجاءه، فقال له أبو سفيان: أنشدك الله يا عمر، أقتلنا محمدًا؟ فقال عمر: اللهمّ لا وإنه ليسمع كلامك الآن!. فقال: أنت أصدقُ عندي من ابن قميئة وأبرُّ! = (٢) لقول ابن قميئة لهم: إنّي قتلت محمدًا = ثم نادى أبو سفيان، فقال: إنه قد كان في قتلاكم. مُثْلة، والله ما رضيتُ ولا سخطتُ، ولا نهيت ولا أمرتُ. (٣)

٨٠٦٧- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق:"فأثابكم غمًّا بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم"، أي: كربًا بعد كرب، قتلُ من قتل من إخوانكم، وعلوّ عدوكم عليكم، وما وقع في أنفسكم من قول من قال:"قُتل نبيكم"، فكان ذلك مما تتابع عليكم غمًّا بغم ="لكيلا تحزنوا على ما فاتكم"، من ظهوركم على عدوكم بعد أن رأيتموه بأعينكم ="ولا ما أصابكم" من قتل إخوانكم، حتى فرجت بذلك الكرب عنكم ="والله خبير بما تعملون"، وكان الذي فرَّج به عنهم ما كانوا فيه من الكرب والغمّ الذي أصابهم، (٤) أن الله عز وجل ردّ عنهم كِذبة الشيطان بقتل نبيهم. فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيًّا بين أظهرهم، هان عليهم ما فاتهم من القوم بعد الظهور عليهم، والمصيبة التي أصابتهم في إخوانهم، (٥) حين صرف الله القتل عن نبيهم صلى الله عليه وسلم. (٦)

٨٠٦٨- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج:"فأثابكم غمًّا بغم"، قال ابن جريج، قال مجاهد: أصاب الناس حزن وغم على ما أصابهم في أصحابهم الذين قُتلوا. فلما تولَّجُوا في الشعب وهم مصابون، (٧) وقف أبو سفيان وأصحابه بباب الشعب، فظن المؤمنون أنهم سوف يميلون عليهم


(١) قوله: "أنعمت"، أي جئت بالسهم الذي فيه"نعم"، و"عال"، أي: تجاف عنها -عن الأصنام- ولا تذكرها بسوء. يقال: "عال عني، وأعل عني"، أي تنح. وذلك أن الرجل من قريش من أهل الجاهلية، كان إذا أراد ابتداء أمر، عمد إلى سهمين فكتب على أحدهما"نعم" وعلى الآخر"لا"، ثم يتقدم إلى الصنم ويجيل سهامه، فإن خرج سهم"نعم" أقدم، وإن خرج سهم"لا" امتنع. وكان أبو سفيان لما أراد الخروج إلى أحد، استفتى هبل، فخرج له سهم الإنعام. فذلك تفسير كلمته. ومن لطيف أخبار الاستقسام بالأزلام. ما فعل امرؤ القيس، حين قتل أبوه، فاستقسم عند ذي الخلصة، فأجال سهامه فخرج له السهم الناهي"لا" ثلاث مرات، فجمع قداحه وكسرها وضرب بها وجه الصنم وقال له: "مصصت ببظر أمك! لو أبوك قتل ما عقتني!! "، ثم خرج فقاتل، فظفر. فيقال إنه لم يستقسم بعد ذلك بقدح عند ذي الخلصة حتى جاء الإسلام، وهدمه جرير بن عبد الله البجلي، وأبطل الله أمر الجاهلية كله.
وقد قيل لأبي سفيان يوم الفتح: "أين قولك، أنعمت فعال"؟ فقال: "قد صنع الله خيرًا، وذهب أمر الجاهلية".
هذا وقد كان في المطبوعة: "أنعمت فقال إن الحرب سجال"، وهو خطأ صرف. والحرب سجال: أي مرة لهذا، ومرة لهذا. وقوله: "اعل هبل" قد شرحه ابن إسحاق، فيظن بعض من يضبط السيرة أنه"أعل" (بهمز الألف وسكون العين وكسر اللام) وهو خطأ، والصواب أنه أمر من"علا"، يريد: زد علوًا.
(٢) في المطبوعة: "وأشار لقول ابن قميئة"، لم يحسن قراءة المخطوطة، والصواب منها ومن سيرة ابن هشام. وقوله: "وأبر"، من"البر"، وهو الصدق والخير كله.
(٣) الأثر ٨٠٦٦- هذا الأثر مجموع من مواضع في السيرة كما أشرت إليه، وهي في: سيرة ابن هشام ٣: ٨٨، ٨٩ / ٣: ٩١، وتاريخ الطبري ٣: ٢١ / والسيرة ٣: ٩٩.
(٤) في المخطوطة والمطبوعة: "وكان الذي خرج عنهم" بإسقاط"به" والسياق يقتضى إثباتها، فأثبتها من سيرة ابن هشام.
(٥) في المطبوعة: "فهان الظهور عليهم"، وفي المخطوطة: "فهذا الظهور عليهم" كتب"فهذا" في آخر"السطر" و"الظهور" في أول السطر التالي، فلم يحسن الناشر قراءتها، والصواب من سيرة ابن هشام.
(٦) الأثر: ٨٠٦٧- سيرة ابن هشام ٣: ١٢١، ١٢٢، وهو تتمة الآثار التي آخرها: ٨٠٥٧.
(٧) في المطبوعة: "فلما تولجوا في الشعب يتصافون"، وهو لا معنى له، والصواب من المخطوطة إلا أن كاتبها كان قد سقط من كتابته من أول"وهم مصابون" إلى"باب الشعب"، فكتبها في الهامش. فاستعجمت على الناشر الأول قراءتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>