فإذا كان الأمر كذلك، في أنّ أنهارَها جارية في غير أخاديد، فلا شكّ أنّ الذي أريدَ بالجنات: أشجارُ الجنات وغروسها وثمارها دون أرضها، إذ كانت أنهارُها تجري فوق أرضها وتحتَ غروسها وأشجارها، على ما ذكره مسروق. وذلك أولى بصفة الجنة من أن تكون أنهارها جاريةً تحت أرضها.
وإنما رغَّب الله جل ثناؤه بهذه الآية عبادَه في الإيمان، وحضّهم على عبادته بما أخبرهم أنه أعدّه لأهل طاعته والإيمان به عنده، كما حذّرهم في الآية التي قبلها بما أخبر من إعداده ما أعدّ - لأهل الكفر به، الجاعلين معه الآلهةَ والأنداد - من عقابه عن إشراك غيره معه، والتعرّض لعقوبته بركوب معصيته وتَرك طاعته (١) .
* * *
القول في تأويل قوله جل ثناؤه:{كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"كلما رُزقوا منها": من الجنات، والهاء راجعةٌ على الجنات، وإنما المعنيّ أشجارها، فكأنه قال: كلما رُزقوا - من أشجار البساتين التي أعدّها الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات في جناته - من ثمرة من ثمارها رزقًا قالوا: هذا الذي رُزقنا من قبل.
ثم اختلف أهلُ التأويل في تأويل قوله:"هذا الذي رُزقنا من قَبل".
فقال بعضهم: تأويل ذلك: هذا الذي رُزقنا من قبل هذا في الدنيا.
* ذكر من قال ذلك:
٥١٢- حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا
(١) في المخطوطة: "والتفريق لعقوبته"، ولا معنى لها.