للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إغنائه بتقويمه إياه وتدبيره أسبابه عن آرائهم، ليتبعه المؤمنون من بعده فيما حزبهم من أمر دينهم، ويستنُّوا بسنَّته في ذلك، ويحتذوا المثالَ الذي رأوه يفعله في حياته من مشاورتَه في أموره = مع المنزلة التي هو بها من الله = أصحابَهُ وتبَّاعَهُ في الأمر ينزل بهم من أمر دينهم ودنياهم، (١) فيتشاوروا بينهم ثم يصدروا عما اجتمع عليه ملأهم. لأن المؤمنين إذا تشاوروا في أمور دينهم متبعين الحق في ذلك، لم يُخْلهم الله عز وجل من لطفه وتوفيقه للصواب من الرأي والقول فيه. قالوا: وذلك نظير قوله عز وجل الذي مدح به أهل الإيمان: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) [سورة الشورى: ٣٨] .

*ذكر من قال ذلك:

٨١٣١- حدثنا سوَّار بن عبد الله العنبري قال، قال سفيان بن عيينة في قوله:"وشاورهم في الأمر"، قال: هي للمؤمنين، أن يتشاوروا فيما لم يأتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أثر.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال: إن الله عز وجل أمرَ نبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه فيما حزبه من أمر عدوه ومكايد حربه، تألُّفًا منه بذلك من لم تكن بصيرته بالإسلام البصيرةَ التي يُؤْمَنُ عليه معها فتنة الشيطان = وتعريفًا منه أمته مأتى الأمور التي تحزُبهم من بعده ومطلبها، (٢) ليقتدوا به في ذلك عند النوازل التي تنزل بهم، فيتشاوروا فيما بينهم، كما كانوا يرونه في حياته صلى الله عليه وسلم يفعله. فأما النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الله كان يعرِّفه مطالب وجوه ما حزبه من الأمور بوحيه أو إلهامه إياه صوابَ ذلك. وأما أمته، فإنهم إذا تشاوروا مستنِّين بفعله في ذلك، على تصادُقٍ وتأخٍّ للحق، (٣) وإرادةِ


(١) قوله: "أصحابه وتباعه" منصوب مفعول لقوله: "من مشاورته في أموره. . ."
(٢) في المطبوعة: "ما في الأمور"، والصواب ما في المخطوطة، ولكن الناشر الأول لم يحسن قراءتها. يريد: الوجه الذي تؤتى منه الأمور وتطلب.
(٣) "توخى الأمر": تحراه وقصده ويممه، ثم تقلب واوه ألفًا فيقال"تأخيت الأمر"، والشافعي رضي الله عنه يكثر من استعمالها في كتبه كذلك. ثم انظر تعليق أخي السيد أحمد، على رسالة الشافعي ص: ٥٠٤، تعليق: ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>