للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قال قائل ممن قرأ ذلك كذلك: فأولى منه (١) "وما كان لنبي أن يخونه أصحابه"، إن كان ذلك كما ذكرت، (٢) ولم يعقّب الله قوله:"وما كان لنبي أن يغل" إلا بالوعيد على الغلول، ولكنه إنما وجب الحكمُ بالصحة لقراءة من قرأ:"يغل" بضم"الياء" وفتح"الغين"، لأن معنى ذلك: وما كان للنبي أن يغله أصحابه، فيخونوه في الغنائم؟

قيل له: أفكان لهم أن يغلوا غير النبي صلى الله عليه وسلم فيخونوه، حتى خُصوا بالنهي عن خيانة النبي صلى الله عليه وسلم؟

فإن قالوا:"نعم"، خرجوا من قول أهل الإسلام. لأن الله لم يبح خيانة أحد في قول أحد من أهل الإسلام قط.

وإن قال قائل: لم يكن ذلك لهم في نبيّ ولا غيره.

قيل: فما وجه خصوصهم إذًا بالنهي عن خيانة النبي صلى الله عليه وسلم، وغُلوله وغُلول بعض اليهود بمنزلةٍ فيما حرم الله على الغالِّ من أموالهما، وما يلزم المؤتمن من أداء الأمانة إليهما؟

وإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أن معنى ذلك هو ما قلنا، من أن الله عز وجل نفى بذلك أن يكون الغلول والخيانة من صفات أنبيائه، ناهيًا بذلك عبادَه عن الغلول، وآمرًا لهم بالاستنان بمنهاج نبيهم، كما قال ابن عباس في الرواية التي ذكرناها من رواية عطية، (٣) ثم عقَّب تعالى ذكره نهيَهم عن الغلول بالوعيد عليه فقال:"ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة"، الآيتين معًا.

* * *


(١) قوله: "فأولى منه"، أي فأولى من المذهب الذي ذهبت إليه في قراءة الآية وتفسيرها = يقوله هذا القائل، ردًا على أبي جعفر.
(٢) في المطبوعة والمخطوطة: "إن ذلك كما ذكرت" سقط من الناسخ"كان" فأثبتها، لأن هذا هو حق المعنى الذي أراده أبو جعفر في سياق قول من رد عليه قوله.
(٣) يعني الأثر: ٨١٤٣، "وعطية" المذكور، هو"عطية بن سعد بن جنادة العوفي"، الذي روى عن ابن عباس، وهو المذكور في الإسناد السالف"عن أبيه". وقد أشكل ذلك على بعض من علق على التفسير، فقال: لم يمض لعطية هذا ذكر!! ولكنه مذكور كما ترى.

<<  <  ج: ص:  >  >>