للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: ما وراءك يا معبد؟ قال: محمد، قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط، يتحرَّقون عليكم تحرُّقا، (١) قد اجتمع معه من كان تخلَّف عنه في يومكم، وندموا على ما صنعوا، فيهم من الحنَق عليكم شيء لم أر مثله قط! (٢) . قال: ويلك! ما تقول؟ قال: والله ما أراك ترتحل حتى ترى نواصي الخيل! قال: فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم! قال: فإنّي أنهاك عن ذلك، فوالله لقد حملني ما رأيتُ على أن قلت فيه أبياتًا من شعر! قال: وما قلت؟ قال: قلت:

كَادَتْ تُهَدُّ مِنَ الأصْوَاتِ رَاحِلَتي ... إِذْ سَالَتِ الأرَضُ بِالجُرْدِ الأبَابيِل (٣) تَرْدِي بِأُسْدٍ كِرَامٍ لا تَنَابِلَةٍ ... عِنْد اللِّقَاء وَلا خُرْقٍ مَعَازِيِل (٤)


(١) يتحرق: يتلهب من الغيظ كمثل حريق النار.
(٢) في المطبوعة: "فهم من الحنق عليكم بشيء لم أر مثله قط"، غير ما في المخطوطة، وهو الصواب الموافق لما في سيرة ابن هشام، وتاريخ الطبري.
(٣) هد البناء: ضعضعه وهدمه. ومنه"هده الأمر" إذا بلغ منه فضعضعه وكسره وأوهنه. يقول: كادت تنهار راحلته من الفزع. و"الجرد" جمع أجرد: وهو القصير الشعر من الخيل، وهو من علامات عتقها وكرمها. و"الأبابيل" الجماعات المتفرقة، واحدها"إبيل" (بكسر الهمزة وتشديد الباء المكسورة) ، وقيل غير ذلك، وقيل: هو جمع لا واحد له. وزعم معبد كثرة خيل المسلمين في مخرجهم إلى حمراء الأسد، والذي في السير أن المسلمين كانوا في أحد ألفًا، فيهم مئة دارع. وفرسان: أحدهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والآخر لأبي بردة بن نيار.
(٤) ردت الخيل تردى (على وزن جرى يجري) : رجمت الأرض بحوافرها في سيرها أو عدوها. و"التنابل" جمع تنبال وتنبالة (بكسر التاء) ، وهو القصير، والقصر معيب، لأن المقاتل القصير لا يطول باعه إذا قاتل بسيف أو رمح. وفي المطبوعة"ولا ميل معازيل"، كما في سيرة ابن هشام، ولكن الذي أثبته هو رواية الطبري في التفسير، وفي التاريخ. و"الخرق" جمع. خرق: وهو الأحمق الذي لا رفق له في عمل. وأنا أرجح أنه أراد الصفة من قولهم: "خرق الظبي وغيره": إذا دهش وفزع، فلصق بالأرض ولم يقدر على النهوض، والصفة من ذلك"خرق" على وزن"فرح"، ولكنه جمعه على باب"أفعل".
وأما"الميل" فهو جمع أميل: وهو الذي يميل على السرج في جانب ولا يستوي عليه، لأنه لا يحسن الركوب ولا الفروسية. و"المعازيل" جمع معزال: وهو الذي لا سلاح معه. وأنا أرى أن"الأميل"، هو الذي يميل عن عدوه من الخوف و"المعزال"، الذي يعتزل المعركة من الفرق، فلا يكاد يقاتل، ولا ينجد من استغاث به.

<<  <  ج: ص:  >  >>