وقد اختلفت القرأة في قراءة قوله:"ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيرٌ لأنفسهم".
فقرأ ذلك جماعة منهم:(وَلا يَحْسَبَنَّ) بالياء، وبفتح"الألف" من قوله:"أَنَّمَا"، على المعنى الذي وصفتُ من تأويله.
* * *
وقرأه آخرون:(وَلا تَحْسَبَنَّ) بالتاء و"أَنَّمَا" أيضا بفتح"الألف" من"أنما"، بمعنى: ولا تحسبنّ، يا محمد، الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم.
* * *
فإن قال قائل: فما الذي من أجله فتحت"الألف" من قوله:"أنما" في قراءة من قرأ بالتاء، وقد علمت أن ذلك إذا قرئ بالتاء فقد أعملت"تحسبن"، في"الذين كفروا"، وإذا أعملتها في ذلك، لم يجز لها أن تقع على"أنما" لأن"أنما" إنما يعمل فيها عاملٌ يعمل في شيئين نصبًا؟
قيل: أما الصواب في العربية ووجهُ الكلام المعروف من كلام العرب، كسر"إن" إذا قرئت"تحسبن" بالتاء، لأن"تحسبن" إذا قرئت بالتاء فإنها قد نصبت"الذين كفروا"، فلا يجوز أن تعمل، وقد نصبت اسمًا، في"أن". ولكني أظن أنّ من قرأ ذلك بالتاء في"تحسبن" وفتح الألف من"أنما"، إنما أراد تكرير تحسبن على"أنما"، كأنه قصد إلى أنّ معنى الكلام: ولا تحسبن، يا محمد أنت، الذين كفروا، لا تحسبن أنما نملي لهم خيرٌ لأنفسهم، كما قال جل ثناؤه:(فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً)[سورة محمد: ١٨] بتأويل: هل ينظرون إلا الساعة، هل ينظرون إلا أن تأتيهم بغتة. (١) وذلك وإن كان وجهًا
(١) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٢٤٨، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ١٠٨، ١٠٩.