للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقال له أبو عبس. فأتوه وهو في مجلس قومه بالعَوَالي، (١) فلما رآهم ذعر منهم، فأنكر شأنهم، وقالوا: جئناك لحاجة! قال: فليدن إليّ بعضكم فليحدثني بحاجته. فجاءه رجل منهم فقال: جئناك لنبيعك أدراعًا عندنا لنستنفق بها. (٢) فقال: والله لئن فعلتم لقد جُهدتم منذ نزل بكم هذا الرجل! فواعدوه أن يأتوه عشاءً حين هدأ عنهم الناس، (٣) فأتوه فنادوه، فقالت امرأته: ما طَرقك هؤلاء ساعتهم هذه لشيء مما تحب! قال: إنهم حدثوني بحديثهم وشأنهم.

(٤) قال معمر: فأخبرني أيوب، عن عكرمة: أنه أشرف عليهم فكلمهم، فقال: أترهَنُوني أبناءكم؟ وأرادوا أن يبيعهم تمرًا. قال، فقالوا: إنا نستحيي أن تعير أبناؤنا فيقال:"هذا رهينة وَسْق، وهذا رهينة وسقين"! (٥) فقال: أترهنوني نسائكم؟ قالوا: أنت أجملُ الناس، ولا نأمنك! وأي امرأة تمتنع منك لجمالك! ولكنا نرهنك سلاحنا، فقد علمت حاجتنا إلى السلاح اليوم. فقال: ائتوني بسلاحكم، واحتملوا ما شئتم. قالوا: فأنزل إلينا نأخذ عليك وتأخذ علينا. فذهب ينزل، (٦)


(١) "العوالي"، جمع عالية. و"العالية": اسم لكل ما كان من جهة نجد من المدينة، من قراها وعمائرها إلى تهامة، وما كان دون ذلك من جهة تهامة فهو"السافلة". وعوالي المدينة، بينها وبين المدينة أربعة أميال، وقيل ثلاثة، وذلك أدناها، وأبعدها ثمانية.
(٢) استنفق بالمال: جعله نفقة يقضى بها حاجته وحاجة عياله.
(٣) هدأ عنهم الناس: سكن عنهم الناس وقلت حركتهم وناموا. وفي المخطوطة: "حين هدى عنهم الناس" بطرح الهمزة، وهو صواب جيد، جاء في شعر ابن هرمة، من أبياته الأليمة الموجعة: لَيْتَ السَّبَاعَ لَنَا كَانَتْ مُجَاوِرَةً ... وَأَنَّنَا لا نَرَى مِمَّنْ نَرَى أَحَدَا
إِنَّ السِّبَاعَ لَتَهْدَا عَنْ فَرائِسِهَا ... وَالنَّاسُ لَيْسَ بِهَادٍ شَرُّهُمْ أَبَدَا
يريد: "لتهدأ" و"بهادئ شرهم".
(٤) هذا بدأ سياق آخر للخبر، منقطع عما قبله من خبر الزهري، ولم يتم خبر الزهري، بل أتم خبر عكرمة الذي أدخله على سياقه.
(٥) "الوسق" كيل معلوم، قيل: هو حمل بعير، وقيل: ستون صاعًا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم.
(٦) قوله: "ذهب ينزل"، أي تحرك لينزل، و"ذهب" من ألفاظ الاستعانة التي تدخل على الكلام لتصوير حركة، أو بيان فعل مثل قولهم: "قعد فلان لا يمر به أحد إلا سبه"، أو "قعد لا يسأله سائل إلا حرمه"، لا يراد به حقيقة القعود، بل استمرار ذلك منه واتصاله، وحاله عند رؤية الناس، أو طروق السائل. واستعمال"ذهب" بهذا المعنى كثير الورود في كلامهم، وإن لم تذكره كتب اللغة.

<<  <  ج: ص:  >  >>