فإن خفتم في الثنتين فانكحوا واحدة. ثم قال: وإن خفتم أن لا تعدلوا أيضًا في الواحدة، فما ملكت أيمانكم.
* * *
فإن قال قائل: فإن أمر الله ونهيه على الإيجاب والإلزام حتى تقوم حجة بأن ذلك على التأديب والإرشاد والإعلام، وقد قال تعالى ذكره:"فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، وذلك أمر، فهل من دليل على أنه من الأمر الذي هو على غير وجه الإلزام والإيجاب؟
قيل: نعم، والدليل على ذلك قوله:"فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة". فكان معلومًا بذلك أن قوله:"فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، وإن كان مخرجه مخرج الأمر، فإنه بمعنى الدلالة على النهي عن نكاح ما خاف الناكح الجورَ فيه من عدد النساء، لا بمعنى الأمر بالنكاح، فإن المعنيّ به: وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى، فتحرجتم فيهن، فكذلك فتحرّجوا في النساء، فلا تنكحوا إلا ما أمنتم الجورَ فيه منهن، ما أحللته لكم من الواحدة إلى الأربع.
وقد بينا في غير هذا الموضع أن العرب تُخرِج الكلام بلفظ الأمر ومعناها فيه النهي أو التهديد والوعيد، كما قال جل ثناؤه:(فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)[سورة الكهف: ٢٩] ، وكما قال:(لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)[سورة النحل: ٥٥\ سورة الروم: ٣٤] ، فخرج ذلك مخرج الأمر، والمقصود به التهديد والوعيدُ والزجر والنهي، (١) فكذلك قوله:"فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، بمعنى النهي: فلا تنكحوا إلا ما طاب لكم من النساء.
* * *
وعلى النحو الذي قلنا في معنى قوله:"أو ما ملكت أيمانكم" قال أهل التأويل.