للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، أن المعنيَّ بقوله:"فإن كان له إخوة"، اثنان من إخوة الميت فصاعدًا، على ما قاله أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما، لنقل الأمة وراثةً صحةَ ما قالوه من ذلك عن الحجة، وإنكارهم ما قاله ابن عباس في ذلك. (١)

* * *

فإن قال قائل: وكيف قيل في الأخوين"إخوة"، وقد علمت أن ل"الأخوين" في منطق العرب مثالا لا يشبه مثالَ"الإخوة"، في منطقها؟ (٢)

قيل: إنّ ذلك وإن كان كذلك، فإن من شأنها التأليف بين الكلامين يتقارب معنياهما، (٣) وإن اختلفا في بعض وجوههما. فلما كان ذلك كذلك، وكان مستفيضًا في منطقها منتشرًا مستعملا في كلامها:"ضربت من عبد الله وعمرو رؤوسهما، وأوجعتُ منهما ظهورهما"، وكان ذلك أشد استفاضة في منطقها من أن يقال،"أوجعت منهما ظهريهما"، وإن كان مقولا"أوجعت ظهْريهما"، (٤) كما قال الفرزدق:

بِمَا فِي فُؤَادَيْنَا مِنَ الشَّوْقِ وَالْهَوَى ... فَيَبْرَأُ مُنْهَاضُ الفُؤَادِ الْمُشَعَّفُ (٥)


(١) هذا أيضًا موضع كان يجب أن يسوق عنده أبو جعفر حجته، أو يحيل على حجة سالفة، ولكنه لم يفعل، وانظر التعليق السالف ص: ٤٠ تعليق: ١: والإشارة إلى المواضع السالفة هناك.
(٢) في المخطوطة والمطبوعة: "وقد علمت أن الأخوين في منطق العرب مثالا ... "، وهو فاسد، والصواب"أن للأخوين"، كما أثبتها بزيادة"اللام".
(٣) في المطبوعة: "بتقارب معنييهما"، غير ما في المخطوطة، لأنه قرأ"يتقارب" فعلا، "بتقارب" اسمًا مصدرًا.
(٤) في المطبوعة: "ظهرهما" مكان"ظهريهما"، وهو خطأ، لأنه ليس شاهدًا في هذا الموضع، بل الشاهد ما جاء في المخطوطة كما أثبته، على التثنية.
(٥) ديوانه: ٥٥٤، والنقائض: ٥٥٣، وسيبويه ٢: ٢٠٢، وأمالي الشجرى ١: ١٢، وغيرها. وهو من قصيدته التي مضى بيت منها قريبًا ص: ٢٧، تعليق: ٣، يقول قبله ما لهج به من لهوه وكذبه وعبثه، ويذكرها صاحبته وأمره معها. دَعَوْتُ الَّذِي سَمَّى السَّمَوَاتِ أَيْدُهُ ... وَللهُ أَدْنَى مِنْ وَرِيِدي وأَلْطَفُ
لِيَشْغَلَ عَنِّي بَعْلَهَا بِزَمَانَهٍ ... تُدَلِّهُهُ عَنِّي وعَنْهَا فَنُسْعَفُ
بِمَا في فُؤَادَيْنَا............. ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فَأَرْسَلَ فِي عَيْنَيْهِ ماءً عَلاهُمَا ... وَقَدْ عَلِمُوا أَنِّي أَطَبُّ وأَعْرَفُ
فَدَاوَيْتُهُ عَامَيْنِ وَهْيَ قَرِ يَبةٌ ... أَرَاهَا، وتَدْنُو لِي مِرَارًا فَأرْشُفُ
يقول: دعا الله أن يبتلي زوجها بمرض مزمن، يدلهه ويحيره، فيبقى دهشا متغير العقل أو البصر، فلا يتفقدها، حتى يصل إلى ما يريد وتريد. فاستجاب دعاءه، وأنزل على عينيه ماء، فطلبوا له الأطباء والعرفاء، وزعم الفرزدق أنهم عرفوا أنه أطب الناس بهذا الداء، فأدخلوه إليه، فظل يطببه عامين، وهي قريبة منه.
وقوله: "منهاض الفؤاد" الذي هاضه الحزن والوجد، من"هاض العظم" إذا كسره، يريد شدة ما يجد من اللوعة، حتى شفه وأمرض قلبه. و"المشعف"، هو الذي شعفه الحب: إذا أحرق قلبه، مع لذة يجدها المحب، ولم يذكر أصحاب المعاجم"شعف" مشددة العين، ولكنه قياس هذه العربية. وفي المخطوطة والمطبوعة: "المشغف" بالغين المعجمة، وكأنه صواب أيضًا، من"شغفه الحب" إذا بلغ شغاف قلبه.
وأما رواية الديوان، والنقائض، فهي"المسقف"، وهي رواية رديئة، قال أبو عبيدة في شرحها: "هو الذي عليه خشب الجبائر، والجبائر: هي السقائف تشد على الكسر". وهو لا شيء، وإنما حمله على ذلك ذكر"منهاض"، وأن"المشغف" من صفته، و"المنهاض" هو العظم الذي كسر بعد الجبر. ولكن صواب المعنى والرواية، هو ما ذكرت.

<<  <  ج: ص:  >  >>