للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في أمصار الإسلام، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ في قراءته الصوابَ.

* * *

فإن ظن ظانٌّ أنّ ما قلنا في ذلك غيرُ جائز، إذ كانتا مختلفتي المعنى، وإنما تجوز القراءةُ بالوجهين فيما اتفقت عليه المعاني = فقد أغفل (١)

وذلك أن معنيي ذلك وإن اختلفا، فغير دافع أحدُهما صاحبه. لأن الله قد أوجب على الأمَة ذات الإسلام وغير ذات الإسلام على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، الحدَّ.

٩٠٨٤ - فقال صلى الله عليه وسلم:"إذا زَنت أمَةُ أحدكم فَليجلدها، كتابَ الله، ولا يُثَرِّبْ عليها. ثم إن عادت فليضربها، كتابَ الله، ولا يُثرّبْ عليها. ثم إن عادت فليضربها، كتابَ الله، ولا يُثرّب عليها. ثم إن زَنت الرابعة فليضربها، كتابَ الله، وليبعها ولو بحبل من شَعَرٍ". (٢)


(١) قوله: "فقد أغفل"، جواب الشرط في قوله: "فإن ظن ظان ... ". وقوله: "أغفل" فعل لازم غير متعد، أي: دخل في الغفلة، وانظر تفسير مثله فيما سلف ١: ١٥١، تعليق: ١ / ٥: ٥٢، تعليق: ٤ = ثم: ١٦٠، تعليق: ١.
(٢) الأثر: ٩٠٨٤ - حديث صحيح، رواه من غير إسناد، وكأنه من مسند أبي هريرة، رواه البخاري بغير هذا اللفظ (الفتح ٤: ٣٥٠ / ١٢: ١٤٣-١٤٧) ومسلم ١٢: ٢١١ / وأحمد في مسنده رقم: ٧٣٨٩، والبيهقي في السنن الكبرى ٨: ٢٤٢-٢٤٤، من طرق.
وقوله: "كتاب الله" على النصب، وفي رواية للنسائي"بكتاب الله".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يثرب عليها"، أي: لا يعيرها بالزنا، ولا يبكتها بما أتت، ولا يعنف عليها باللوم. وهذا أدب نبي الله صلى الله عليه وسلم لأمته: أن لا تعير مرتكبًا بما ارتكب، وأن ترفق به، وتعرض عن تذكيره بالفاحشة، لئلا تمتلئ نفسه كمدًا وغيظًا وحقدًا على الناس. ولكنك ترى أهل زماننا، يستطيلون على كل من أتى جرمًا، فتمتلئ الصحافة بالسب والتعريض، وقبيح الصفات لكل من أتى جرمًا، كأن أحدهم قد أخذ عهدًا على أيامه البواقي أن لا يتورط في إثم أو جريمة. ومن يدري، فلعل أطولهم لسانًا في ذلك، أكثرهم استخفاء بما هو أشد من ذلك الجرم الذي ارتكبه المرتكب.

<<  <  ج: ص:  >  >>