للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الله، أمرَ أن يُعمل بها، لا يُعمل بها، (١) فأردنا أن نلقَى أمير المؤمنين في ذلك؟ فقدم وقدموا معه، فلقيه عمر رضي الله عنه فقال: متى قدمت؟ قال: منذ كذا وكذا. قال: أبإذن قدمت؟ قال: فلا أدري كيف ردّ عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ ناسًا لقوني بمصر فقالوا:"إنا نرى أشياءَ من كتاب الله تبارك وتعالى، أمر أن يعمل بها ولا يعمل بها"، فأحبُّوا أن يلقوك في ذلك. فقال: اجمعهم لي. قال: فجمعتهم له = قال ابن عون: أظنه قال: في بَهْوٍ (٢) = فأخذ أدناهم رجلا فقال: أنشدكم بالله وبحق الإسلام عليك، أقرأت القرآن كله؟ قال: نعم. قال، فهل أحصيته في نفسك؟ (٣) قال، اللهم لا! = قال: ولو قال:"نعم" لخصَمَه (٤) = قال: فهل أحصيته في بصرك؟ هل أحصيته في لفظك؟ هل أحصيته في أثرك؟ (٥) قال: ثم تتبعهم حتى أتى على آخرهم، فقال: ثكلتْ عمر أمُّه! أتكلِّفونه أن يقيمَ الناس على كتاب الله؟ قد علم ربنا أن ستكون لنا سيئات. قال: وتلا"إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريمًا". هل علم أهل المدينة = أو قال هل علم أحدٌ = بما قَدِمتم؟ قالوا، لا! قال: لو علموا لوعَظْت بكم. (٦)

٩٢٣١ - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا زياد بن مخراق، عن معاوية بن قرة قال: أتينا أنس بن مالك، فكان فيما حدثنا قال: لم نر مثل الذي بلغنا عن ربنا، ثم لم نخرج له عن كل أهل ومال! (٧) ثم سكت هنيهة، ثم قال: والله لقد كلفنا ربنا أهون من ذلك! لقد تجاوز لنا عما دون الكبائر! فما لنا ولها؟ ثم تلا"إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه" الآية. (٨)

٩٢٣٢- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه" الآية، إنما وعد الله المغفرة لمن اجتنبَ الكبائر. وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:" اجتنبوا الكبائر، وسدّدوا، وأبشروا".

٩٢٣٣ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن رجل، عن ابن مسعود قال: في خمس آيات من"سورة النساء": لَهُنَّ أحب إليَّ من الدنيا جميعًا: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) وقوله: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا) [سورة النساء: ٤٠] ، وقوله: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ


(١) في المخطوطة: "أمر أن يعمل بها لا نعمل بها" بالنون في الثانية، وما في المطبوعة وابن كثير هو الصواب، لأنه جاءوا في شكاة عاملهم في مصر، كما هو ظاهر من آخر الأثر.
(٢) في المطبوعة والمخطوطة: "في نهر"، والصواب من تفسير ابن كثير. و"البهو": البيت المقدم أمام البيوت. وكل هواء أو فجوة، فهو عند العرب"بهو".
(٣) "أحصى الشيء": أحاط به وحفظه، يعني: هل استوفيتم القيام بكل أمر به في ذلك وحفظتموه وضبطتم العمل به، ومنه قوله تعالى: "عَلَم أنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ"
أي: أن تطيقوا القيام به.
(٤) "خاصمت الرجل فخصمته": أي غلبته بالحجة.
(٥) "الأثر": ما تتركه في الأرض من ثقل خطاك عليها، وأراد به هنا: السعي في الأرض. كالذي في قوله تعالى: "ونكتب ما قدموا وآثارهم"، أي خطاهم حيث سعوا في الأرض.
(٦) الأثر: ٩٢٣٠- خرجه ابن كثير في تفسيره ٢: ٤٢٣، ٤٢٤، والسيوطي في الدر المنثور ٢: ١٤٥، وقال ابن كثير: "إسناد صحيح ومتن حسن، وإن كانت رواية الحسن عن عمر، وفيها انقطاع، إلا أن مثل هذا اشتهر، فتكفي شهرته". وقال السيوطي: "أخرج ابن جرير بسند حسن".
وقوله: "لوعظت بكم"، أي: لأنزلت بكم من العقوبة، ما يكون عظة لغيركم من الناس. وذلك أنهم جاءوا في شكاة عاملهم على مصر، وتشددوا ولم ييسروا، وأرادوا أن يسير في الناس بما لا يطيقون هم في أنفسهم من الإحاطة بكل أعمال الإسلام، وما أمرهم الله به. وذلك من الفتن الكبيرة. ولم يريدوا ظاهر الإسلام وأحكامه، وإنما أرادوا بعض ما أدب الله به خلقه. وعمر أجل من أن يتهاون في أحكام الإسلام. وإنما قلت هذا وشرحته، مخافة أن يحتج به محتج من ذوي السلطان والجبروت، في إباحة ترك أحكام الله غير معمول بها، كما هو أمر الطغاة والجبابرة من الحاكمين في زماننا هذا.
(٧) ليس في المخطوطة"ثم"، وتركتها لأنها في الدر المنثور، وتفسير ابن كثير.
(٨) الأثر: ٩٢٣١- ابن كثير ٢: ٤٢٥، والدر المنثور، ٢: ١٤٥، ونسبه أيضًا لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد.

<<  <  ج: ص:  >  >>