للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو جعفر: فإذ كان ما ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحًا = وكانت الآية إذا اختُلف في حكمها منسوخ هو أم غير منسوخ، (١) غير جائز القضاء عليه بأنه منسوخ - مع اختلاف المختلفين فيه، ولوجُوب حكمها وَنفي النسخ عنه وجه صحيحٌ - (٢) إلا بحجة يجب التسليم لها، لما قد بينَّا في غير موضع من كتبنا الدلالةَ على صحةِ القول بذلك (٣) = (٤) فالواجب أن يكون الصحيح من القول في تأويل قوله:"والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم"، هو ما ذكرنا من التأويل، وهو أن قوله:"عقدت أيمانكم" من الحلف، وقوله:"فآتوهم نصيبهم" من النصرة والمعونة والنصيحة والرأي، على ما أمرَ به من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأخبار التي ذكرناها عنه = (٥) دون قول من قال:"معنى قوله: فآتوهم نصيبهم، من الميراث"، وان ذلك كان حكما ثم نُسخ بقوله:"وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله"، ودونَ ما سِوَى القول الذي قلناه في تأويل ذلك. (٦)

وإذْ صَحّ ما قلنا في ذلك، وجب أن تكون الآية محكمة لا منسوخةً. (٧)

* * *


(١) في المخطوطة والمطبوعة: "منسوخ هي"، خطأ، صوابه ما أثبت.
(٢) سياق العبارة: "غير جائز القضاء عليه بأنه منسوخ ... إلا بحجة يجب التسليم لها"، والذي بينهما قيد اعترض به بين طرفي الكلام.
(٣) انظر مقالته في: "الناسخ والمنسوخ" فيما سلف: ١٣١، والتعليق ١، والمراجع هناك.
(٤) قوله: "فالواجب ... "، جواب قوله آنفًا: "فإذ كان ما ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحًصا".
(٥) السياق: "فالواجب أن يكون الصحيح من القول ... هو ما ذكرنا من التأويل ... دون قول من قال".
(٦) في المطبوعة والمخطوطة: "دون ما سوى القول" بلا واو عاطفة، والصواب إثبات"واو العطف"، عطفًا على قوله آنفًا: "دون قول من قال".
(٧) أشكل على ابن كثير هذا الموضع من كلام الطبري فرواه عنه ثم قال: "وفيه نظر، فإن من الحلف ما كان على المناصرة والمعاونة، ومنه ما كان على الإرث، كما حكاه غير واحد من السلف وكما قال ابن عباس: كان المهاجري يرث الأنصاري دون قراباته وذوي رحمه، حتى نسخ ذلك. فكيف يقول: إن هذه الآية محكمة غير منسوخة، والله أعلم".
وهذا الذي تعجب منه ابن كثير، قد بينه الطبري، وأقام عليه كل مذهبه، في كل ناسخ ومنسوخ، وقد كرره مرات كثيرة في تفسيره، وقد أعاده هنا عند ذكر الناسخ والمنسوخ فقال: إن الآية إذا اختلف في حكمها منسوخ هو أم غير منسوخ، واختلف المختلفون في حكمها، وكان لنفي النسخ عنها وإثبات أنها محكمة وجه صحيح، لم يجز لأحد أن يقضي بأن حكمها منسوخ، إلا بحجة يجب التسليم لها. وقد بين أبو جعفر مرارًا أن الحجة التي يجب التسليم لها هي: ظاهر القرآن، والخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما تأويل ابن عباس أو غيره من الأئمة، فليس حجة في إثبات النسخ في آية، لتأويلها على أنها محكمة وجه صحيح.
فالعجب لابن كثير، حين عجب من أبي جعفر في تأويله وبيانه. ولو أنصف لنقض حجة الطبري في مقالته من الناسخ والمنسوخ، لا أن يحتج عليه ويتعجب منه، لحجة هي منقوضة عند الطبري، قد أفاض في نقضها مرارًا في كتابه هذا، وفي غيرها من كتبه كما قال، رحم الله أبا جعفر، وغفر الله لابن كثير.

<<  <  ج: ص:  >  >>