بقوله:"يا ليتني كنتُ ترابًا". وأما قوله:"ولا يكتمون الله حديثًا"، فإن أهل التأويل تأوّلوه بمعنى: ولا تكتم الله جوارحُهم حديثًا، وإن جحدتْ ذلك أفواههم.
ذكر من قال ذلك:
٩٥٢٠ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام قال، حدثنا عمرو، عن مطرف، عن. المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير قال: أتى رجلٌ ابن عباس فقال: سمعت الله يقول (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ)[سورة الأنعام: ٢٣] ، وقال في آية أخرى:"ولا يكتمون الله حديثًا". فقال ابن عباس: أما قوله:"والله ربنا ما كنا مشركين"، فإنهم لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهلُ الإسلام قالوا:"تعالوا فلنجحد"! فقالوا:"والله ربنا ما كنا مشركين"! فختم الله على أفواههم، وتكلمت أيديهم وأرجلهم، فلا يكتمون الله حديثًا.
٩٥٢١ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن رجل، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: أشياءُ تختلفُ علي في القرآن؟ فقال: ما هو؟ أشك في القرآن؟ قال: ليس بالشك، ولكنه اختلاف! قال: فهات ما اختلف عليك. قال: أسمع الله يقول: (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ)[سورة الأنعام: ٢٣] ، وقال:"ولا يكتمون الله حديثًا"، وقد كتموا! فقال ابن عباس: أما قوله:"ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين"، فإنهم لما رأوا يوم القيامة أن الله يغفر لأهل الإسلام ويغفر الذنوب، ولا يغفر شركًا، ولا يتعاظمه ذنبٌ أن يغفره = جحد المشركون فقالوا:"والله ربنا ما كنا مشركين"، رجاءَ أن يغفر لهم، فختم على أفواههم، وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، فعند ذلك:"يَودّ الذين كفروا وَعصوُا الرسول لو تسوَّى بهم الأرضُ ولا يكتمون الله حديثًا".