(٢) في الأصل المخطوط بعد هذا الموضع ما نصه: - [بلغتُ من أوّله بقراءتي على القاضي أبي الحسن الخصيب ابن عبد الله الخصيبيّ، عن أبي محمد الفَرْغانيّ، عن أبي جعفر الطبري. وسمع معي أخي علي بن أحمد بن عيسى، ونصر بن الحسن الطبري. وسمع أبو الفتح أحمد بن عمر الجهاري، من موضع سماعه. وكتب محمد بن أحمد بن عيسى السعدي في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعمئة] * * * "تذكرة" تبين لي مما راجعته من كلام الطبري، أن استدلال الطبري بهذه الآثار التي يرويها بأسانيدها، لا يراد به إلا تحقيق معنى لفظ، أو بيان سياق عبارة. فهو قد ساق هنا الآثار التي رواها بإسنادها ليدل على معنى"الخليفة"، و"الخلافة"، وكيف اختلف المفسرون من الأولين في معنى"الخليفة". وجعل استدلاله بهذه الآثار، كاستدلال المستدل بالشعر على معنى لفظ في كتاب الله. وهذا بين في الفقرة التالية للأثر رقم: ٦٠٥، إذ ذكر ما روي عن ابن مسعود وابن عباس، وما روي عن الحسن في بيان معنى"الخليفة"، واستظهر ما يدل عليه كلام كل منهم. ومن أجل هذا الاستدلال، لم يبال بما في الإسناد من وهن لا يرتضيه. ودليل ذلك أن الطبري نفسه قال في إسناد الأثر: ٤٦٥ عن ابن مسعود وابن عباس، فيما مضى ص: ٣٥٣"فإن كان ذلك صحيحًا، ولست أعلمه صحيحًا، إذ كنت بإسناده مرتابًا. . "، فهو مع ارتيابه في هذا الإسناد، قد ساق الأثر للدلالة على معنى اللفظ وحده، فيما فهمه ابن مسعود وابن عباس -إن صح عنهما- أو ما فهمه الرواة الأقدمون من معناه. وهذا مذهب لا بأس به في الاستدلال. ومثله أيضًا ما يسوقه من الأخبار والآثار التي لا يشك في ضعفها، أو في كونها من الإسرائيليات، فهو لم يسقها لتكون مهيمنة على تفسير آي التنزيل الكريم، بل يسوق الطويل الطويل، لبيان معنى لفظ، أو سياق حادثة، وإن كان الأثر نفسه مما لا تقوم به الحجة في الدين، ولا في التفسير التام لآي كتاب الله. فاستدلال الطبري بما ينكره المنكرون، لم يكن إلا استظهارًا للمعاني التي تدل عليها ألفاظ هذا الكتاب الكريم، كما يستظهر بالشعر على معانيها. فهو إذن استدلال يكاد يكون لغويًّا. ولما لم يكن مستنكرًا أن يستدل بالشعر الذي كذب قائله، ما صحت لغته؛ فليس بمستنكر أن تساق الآثار التي لا يرتضيها أهل الحديث، والتي لا تقوم بها الحجة في الدين، للدلالة على المعنى المفهوم من صريح لفظ القرآن، وكيف فهمه الأوائل - سواء كانوا من الصحابة أو من دونهم. وأرجو أن تكون هذه تذكرة تنفع قارئ كتاب الطبري، إذا ما انتهى إلى شيء مما عده أهل علم الحديث من الغريب والمنكر. ولم يقصر أخي السيد أحمد شاكر في بيان درجة رجال الطبري عند أهل العلم بالرجال، وفي هذا مقنع لمن أراد أن يعرف علم الأقدمين على وجهه، والحمد لله أولا وآخرًا.