للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم قال: اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدْر، (١) ثم أرسل الماء إلى جارك. واستوعَى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير حقه = قال أبو جعفر: والصواب:"استوعب" (٢) = وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه الشفقة له وللأنصاري. فلما أحفظَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم الأنصاريُّ، (٣) استوعب للزبير حقه في صريح الحكم = قال فقال الزبير: ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك:"فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم"، الآية. (٤)

٩٩١٣ - حدثني يعقوب قال، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري عن عروة، قال: خاصم الزبير رجل من الأنصار في شَرْج من شِراج الحَرَّة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا زبير، أَشْرِب، ثم خلِّ سبيل الماء. فقال الذي من الأنصار من بني أمية: (٥) اعدل يا نبيَّ الله، وإن كان ابن عمتك! قال: فتغيَّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عُرف


(١) "الجدر" (بفتح الجيم وسكون الدال) ، وهي الحواجز التي تحبس الماء.
(٢) الظاهر أن قول أبي جعفر: "والصواب: استوعب"، إنما عنى به صواب الرواية في هذا الخبر بهذا الإسناد، ولا أظن أبا جعفر ينكر"استوعى" أن تكون صحيحة، فإن"استوعى" بمعنى: استوعب الحق واستوفاه، عربي صحيح لا شك فيه.
(٣) "أحفظه" أغضبه.
(٤) الحديث: ٩٩١٢ - سياق هذا الإسناد ظاهره أنه من حديث"الزبير بن العوام" - لقوله"أن عبد الله بن الزبير حدثه عن الزبير بن العوام". ويحتمل أن يكون من حديث"عبد الله بن الزبير" حكاية عن القصة. وقد جاء الحديث بسياقات أخر، بعضها ظاهره أنه من حديث عروة بن الزبير - يحكي القصة، فيكون ظاهره الإرسال. وبعضها ظاهره أنه من رواية عروة عن أبيه الزبير، كما سيأتي:
فرواه ابن أبي حاتم - فيما نقل عنه ابن كثير ٢: ٥٠٣ - بإسناد الطبري هذا: عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، به.
وكذلك رواه ابن الجارود في المنتقى، ص: ٤٥٣، عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن ابن وهب.
وكذلك رواه الإسماعيلي، فيما نقله عند الحافظ في الفتح ٥: ٢٦.
ورواه النسائي ٢: ٣٠٨ - ٣٠٩، كرواية الطبري هذه. ولكن عن شيخين: يونس بن عبد الأعلى والحارث بن مسكين - كلاهما عن ابن وهب، بهذا الإسناد - وعند هؤلاء جميعًا - كما هنا: "أن عبد الله بن الزبير حدثه عن الزبير بن العوام".
ورواه أحمد في المسند: ١٦١٨٥ (ج٤ ص٤ - ٥ حلبي) ، في مسند عبد الله بن الزبير - عن هاشم بن القاسم، عن الليث، عن ابن شهاب، "عن عروة بن الزبير، عن عبد الله بن الزبير، قال: خاصم رجل من الأنصار الزبير"، إلخ.
وبنحو ذلك رواه البخاري ٥: ٢٦ - ٢٨، ومسلم ٢: ٢٢١، وأبو داود: ٣٦٣٧، والترمذي ٢: ٢٨٩ - ٢٩٠، وابن ماجه: ٢٤٨٠، وابن حبان في صحيحه: ٢٣ (بتحقيقنا) - كلهم من طريق الليث بن سعد، عن الزهري، عن عروة، عن عبد الله بن الزبير، حكاية للقصة. وفي بعض ألفاظهم: "عن عروة: أن عبد الله بن الزبير حدثه". وظاهر هذه الأسانيد أنه من حديث"عبد الله بن الزبير" - حكاية للقصة، ليس فيها التصريح بروايته عن أبيه الزبير بن العوام.
وقال البخاري عقب هذه الرواية: "ليس أحد يذكر: عروة عن عبد الله - إلا الليث فقط".
وقد تعقبه الحافظ ابن حجر برواية"النسائي وغيره" - المطابقة لرواية الطبري هنا وابن الجارود وابن أبي حاتم - أن يونس بن يزيد الأيلي ذكر فيه"عن عبد الله بن الزبير"، كما ذكره الليث. بل زاد ابن وهب في روايته هذه عن يونس والليث: أنه"عن عبد الله بن الزبير، عن أبيه الزبير بن العوام".
ورواه أحمد في المسند: ١٤١٩، عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، قال، "أخبرني عروة بن الزبير: أن الزبير كان يحدث أنه خاصم رجلا من الأنصار" - إلخ.
وكذلك رواه البخاري ٥: ٢٢٧ (فتح) ، عن أبي اليمان، بهذا الإسناد، كرواية أحمد.
فهذه الرواية ظاهرها أن عروة يروي الحديث فيها عن أبيه الزبير بن العوام مباشرة.
وقد نقل ابن كثير ٢: ٥٠٢ - ٥٠٣ هذه الرواية عن المسند. ثم قال: "هكذا رواه الإمام أحمد، وهو منقطع بين عروة وبين أبيه الزبير، فإنه لم يسمع منه. والذي يقطع به أنه سمعه من أخيه عبد الله".
وقد تعقبته في شرح المسند: ١٤١٩ فقلت: إن الحديث حديث الزبير، ولا يبعد أن يكون سمعه منه أبناه عبد الله وعروة، وأن يكون عروة سمعه أيضًا من أخيه عبد الله، أو ثبته عبد الله فيه. وأما ادعاء أن عروة لم يسمع من أبيه فالأدلة تنقضه، فإنه كان مراهقًا أو بالغًا عند مقتل أبيه، كانت سنه ١٣ سنة. وفي التهذيب ٧: ١٨٥: "قال مسلم بن الحجاج في كتاب التمييز: حج عروة مع عثمان، وحفظ عن أبيه فمن دونهما من الصحابة".
وأزيد هنا أن البخاري صرح في ترجمة"عروة" في التاريخ الكبير ٤ / ١ / ٣١ بسماعه من أبيه، فقال: "سمع أباه وعائشة وعبد الله بن عمر". وأن الإمام أحمد روى حديثًا آخر قبله: ١٤١٨، من طريق هشام بن عروة، "عن عروة، قال: أخبرني أبي الزبير" - وإسناده صحيح، وفيه التصريح بسماع عروة من أبيه، وأن الحافظ في الفتح ٥: ٢٦ قال: "وإنما صححه البخاري - مع هذا الاختلاف - اعتمادًا على صحة سماع عروة من أبيه".
ورواه عروة أيضًا من عند نفسه، حكاية للقصة، دون أن يذكر أنه عن اخيه أو عن أبيه - فيكون ظاهره أنه حديث مرسل، كما في الرواية الآتية عقب هذه، وسيأتي باقي الكلام هناك.
(٥) في المطبوعة: حذف قوله: "من بني أمية"، كأنه ظن أن"بني أمية" هنا هم القرشيون!! و"بنو أمية" هنا: هم بنو أمية بن زيد بن قيس بن عامر بن مرة بن مالك بن الأوس.

<<  <  ج: ص:  >  >>