قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه:"وما لكم" أيها المؤمنون ="لا تقاتلون في سبيل الله"، وفي"المستضعفين"، يقول: عن المستضعفين منكم ="من الرجال والنساء والولدان"، فأما من"الرجال"، فإنهم كانوا قد أسلموا بمكة، فغلبتهم عشائرهم على أنفسهم بالقهر لهم، وآذوهم، ونالوهم بالعذاب والمكاره في أبدانهم ليفتنوهم عن دينهم، فحضَّ الله المؤمنين على استنقاذهم من أيدي من قد غلبهم على أنفسهم من الكفار، فقال لهم: وما شأنكم لا تقاتلون في سبيل الله، وعن مستضعفي أهل دينكم وملتكم الذين قد استضعفهم الكفار فاستذلوهم ابتغاء فتنتهم وصدِّهم عن دينهم؟ "من الرجال والنساء والولدان" = جمع"ولد": وهم الصبيان ="الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها"، يعني بذلك أن هؤلاء المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، يقولون في دعائهم ربَّهم بأن ينجييهم من فتنة من قد استضعفهم من المشركين:"يا ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها".
* * *
والعرب تسمي كل مدينة"قرية" = يعني: التي قد ظلمتنا وأنفسَها أهلُها = وهي في هذا الموضع، فيما فسر أهل التأويل،"مكة".
* * *
وخفض"الظالم" لأنه من صفة"الأهل"، وقد عادت"الهاء والألف" اللتان فيه على"القرية"، وكذلك تفعل العرب إذا تقدمت صفة الاسم الذي معه عائد لاسم قبلها، (١) أتبعت إعرابها إعرابَ الاسم الذي قبلها، كأنها صفة له، فتقول:"مررت بالرجلِ الكريمِ أبوه".
* * *
="واجعل لنا من لدنك وليًّا"، يعني: أنهم يقولون أيضًا في دعائهم: يا ربنا، واجعل لنا من عندك وليًّا، يلي أمرنا بالكفاية مما نحن فيه من فتنة أهل الكفر بك =
(١) في المخطوطة: "الذي معه عادر لاسم قبلها"، وهو سهو من الناسخ، صوابه ما في المطبوعة.