للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ابن جريج، عن مجاهد بنحوه= قال ابن جريج، عن عكرمة قال: كان الحارث ابن يزيد بن أنيسة، (١) = من بني عامر بن لؤي= يعذِّبُ عياشَ بن أبي ربيعة مع أبي جهل. ثم خرج الحارث بن يزيد مهاجرًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيه عياش بالحرّة، فعلاه بالسيف حتى سكت، (٢) وهو يحسب أنه كافر. ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، ونزلت:"وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطأ"، الآية فقرأها عليه، ثم قال له: قم فحِّررْ.

١٠٠٩٢- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطأ"، قال: نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي= وكان أخًا لأبي جهل بن هشام، لأمه (٣) = وإنه أسلم وهاجر في المهاجرين الأولين قبل قُدُوم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فطلبه أبو جهل والحارث بن هشام، ومعهما رجل من بني عامر بن لؤي. فأتوه بالمدينة، وكان عياش أحبَّ إخوته إلى أمه، فكلَّموه وقالوا:"إنّ أمك قد حلفت أن لا يُظِلَّها بيت حتى تراك، وهي مضطجعة في الشمس، فأتها لتنظر إليك ثم ارجع"! وأعطوه موثقًا من الله لا يَهِيجونه حتى يرجع إلى المدينة، (٤) فأعطاه بعض أصحابه بعيرًا له نجيبًا وقال: إن خفت منهم شيئًا، فاقعد على النجيب. فلما أخرجوه من المدينة، أخذوه فأوثقوه، وجَلَده العامريّ، فحلف ليقتلنَّ العامري. فلم يزل محبوسًا بمكة حتى خرج يوم الفتح، فاستقبله العامريّ وقد أسلم، ولا يعلم عيّاش بإسلامه، فضربه فقتله. فأنزل الله:"وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطأ"، يقول: وهو لا يعلم أنه مؤمن="ومن قتل مؤمنًا خطأ فتحرير رقبه مؤمنة وديةٌ مسلمة إلى أهله إلا أن يصدّقوا"، فيتركوا الدّية.

* * *

وقال آخرون: نزلت هذه الآية في أبي الدرداء.

*ذكر من قال ذلك:

١٠٠٩٣- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطأ"، الآية، قال: نزل هذا في رجل قتله أبو الدرداء، نزل هذا كله فيه. (٥) كانوا في سرية، فعدَل أبو الدرداء إلى شِعْبٍ يريد حاجة له، فوجد رجلا من القوم في غنم له، فحمل عليه بالسيف فقال: لا إله إلا الله! قال: فضربه، ثم جاء بغنمه إلى القوم. ثم وجد في نفسه شيئًا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا شققتَ عن قلبه! فقال: ما عَسَيْتُ أجِدُ! (٦) هل هو يا رسول الله إلا دمٌ أو ماء؟ قال: فقد أخبرك بلسانه فلم تصدقه؟ قال: كيف بي يا رسول الله؟ قال: فكيف بلا إله إلا الله؟ قال: فكيف بي يا رسول الله؟ قال: فكيف بلا إله إلا الله؟ = حتى تمنَّيتُ أن يكون ذلك مبتدأ إسلامي. قال: ونزل القرآن:"وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطأ" حتى بلغ"إلا أن يصدّقوا"، قال: إلا أن يَضَعوها.

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله عرَّف عبادَه بهذه الآية مَا على مَن قتل مؤمنًا خطأ من كفَّارة ودية. وجائز أن تكون الآية نزلت في عياش بن أبي ربيعة وقتيله، وفي أبي الدرداء وصاحبه. وأيّ ذلك كان، فالذي


(١) في المطبوعة: "بن نبيشة"، وفي المخطوطة بهذا الرسم، بغير ألف في أوله، غير منقوطة. والصواب من الإصابة وأسد الغابة وغيرهما.
(٢) "سكت" سكن، وانقطعت حركته. وهو مما يزاد من المجاز على نصوص المعاجم.
(٣) في المطبوعة: "فكان أخا" أساء قراءة المخطوطة.
(٤) في المطبوعة: "لا يحجزونه"، وهو خطأ وتغيير لما في المخطوطة."هاجه يهيجه": أزعجه ونفره، يريد: لا يؤذونه بما يزعجه أو ينفره.
(٥) حذفت المطبوعة قوله: "نزل هذا كله فيه"، ولا أدري لم فعل ذلك!!
(٦) قوله: "ما عسيت أجد"، من"عسى"، كأنه قال: ماذا أجد بقتلي إياه وهو مشرك.

<<  <  ج: ص:  >  >>