للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: لعن الله المُتَنَمِّصات والمتَفَلِّجات= قال شعبة: وأحسبه قال: المغِّيرات خلق الله. (١)

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك، قولُ من قال: معناه:"ولآمرنهم فليغيرن خلق الله"، قال: دين الله. وذلك لدلالة الآية الأخرى على أن ذلك معناه، وهي قوله: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) ، [سورة الروم: ٣٠] .

وإذا كان ذلك معناه، دخل في ذلك فعل كل ما نهى الله عنه: من خِصَاءِ ما لا يجوز خصاؤه، ووشم ما نهى عن وشمه وَوشْرِه، وغير ذلك من المعاصي= ودخل فيه ترك كلِّ ما أمر الله به. لأن الشيطان لا شك أنه يدعو إلى جميع معاصي الله وينهى عن جميع طاعته. فذلك معنى أمره نصيبَه المفروضَ من عباد الله، بتغيير ما خلق الله من دينه.

* * *

قال أبو جعفر: فلا معنى لتوجيه من وجَّه قوله:"ولآمرنهم فليغيرن خلق الله"، إلى أنه وَعْد الآمر بتغيير بعض ما نهى الله عنه دون بعض، أو بعض ما


(١) الآثار: ١٠٤٨٧ - ١٠٤٨٩ - هو حديث صحيح، رواه البخاري (الفتح ١٠: ٣١٣، ٣١٧) من طريق منصور عن إبراهيم، ورواه به أحمد في المسند مطولا: ٤١٢٩، ٤٢٣٠، ٤٤٣٤.
وفي الإسناد الأول ١٠٤٨٧ لم يذكر علقمة، فقال الحافظ ابن حجر في الفتح: "ومن أصحاب الأعمش من لم يذكر عنه علقمة في السند".
وطريق محمد بن جعفر، عن شعبة (١٠٤٨٩) رواه أحمد: ٤٤٣٤، ونصه"لعن الله المتوشمات والمتنمصات ... "، فأخشى أن يكون سقط من الناسخ"المتوشمات".
و"المتفلجة" التي تصنع الفلج بأسنانها إذا كانت متلاصقة، وذلك بأن تحك ما بينهما بالمبرد حتى يتسع ما بين أسنانها.
و"المتنمصة" و"النامصة" التي تزيل شعر حاجبها بالمنقاش حتى ترققه وترفعه وتسويه. و"المستوشمة" و"الواشمة"، و"الوشم" أن تغرز إبرة في الجلد حتى يسيل الدم، ثم يحشى بالنورة أو غيرها فيخضر. ويقال: "هو أن تجعل خالا في وجهها بالكحل". ويفعلونه أيضًا في الشفاه واللثات، وكل ذلك داخل في الذي نهى الله عنه، ولعن عليه.
= و"الواشرة" التي تحدد أسنانها وترققها بالمنشار، وهو المبرد.
وكل هذا الذي لعن الله فاعله، تفعله نساؤنا المسلمات اليوم، متبرجات به، موغلات فيه، مقلدات لمن كفر بالله ورسوله. فمن أجل عصيانهن واستخفافهن - بل من أجل عصياننا جميعًا أمر الله - أحل الله بنا العقوبة التي أنذرنا بها رسول الله، بأبي هو وأمي، فجعل الله بأسنا بيننا، وسلط علينا شرارنا، وجمع علينا الأمم لتأكلنا. فاللهم اهد ضالنا، وخذ بنواصي عصاتنا، واغفر لنا وارحمنا، عليك نتوكل، وبك نستجير، وإليك نلجأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>