للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما إعراضه عنها، فإنه تركه أداءَها والقيام بها، فلا يشهد بها. (١)

وإنما قلنا: هذا التأويل أولى بالصواب، لأن الله جل ثناؤه قال:"كونوا قوامين بالقسط شهداء الله"، فأمرهم بالقيام بالعدل شهداء. وأظهر معاني"الشهداء"، ما ذكرنا من وصفهم بالشهادة.

* * *

واختلفت القرأة في قراءة قوله:"وإن تلووا".

فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار سوى الكوفة: (وَإِنْ تَلْوُوا) بواوين، من:"لواني الرجل حقي، والقوم يلوونني دَيْني"= وذلك إذا مطلوه="ليًّا".

* * *

وقرأ ذلك جماعة من قرأة أهل الكوفة: (وإن تلوا) بواو واحدة.

* * *

ولقراءة من قرأ ذلك كذلك وجهان:

أحدهما: أن يكون قارئها أراد همز"الواو" لانضمامها، ثم أسقط الهمز، فصار إعراب الهمز في اللام إذْ أسقطه، وبقيت واو واحدة. كأنه أراد:"تَلْؤُوا" ثم حذف الهمز. وإذا عني هذا الوجه، كان معناه معنى من قرأ:"وإن تلووا"، بواوين، غير أنه خالف المعروف من كلام العرب. وذلك أن"الواو" الثانية من قوله:"تلووا" واو جمع، وهي علم لمعنى، فلا يصح همزها، ثم حذفها بعد همزها، فيبطل علَم المعنى الذي له أدخلت"الواو" المحذوفة. (٢)

والوجه الآخر: أن يكون قارئها كذلك، أراد: أن"تلوا" من"الولاية"، فيكون معناه: وأن تلوا أمور الناس وتتركوا. وهذا معنى= إذا وجّه القارئ قراءته على ما وصفنا، إليه= خارج عن معاني أهل التأويل، وما وجّه إليه أصحاب رسول الله صلى


(١) انظر تفسير"الإعراض" فيما سلف ص: ٢٦٨، تعليق: ٤، والمراجع هناك.
(٢) هذا موضع وهم غريب من مثل أبي جعفر، فإن الهمز في"تلؤوا" على واو الفعل، وهي عين الفعل"لوى"، والحذف بعد طرح الهمزة، واقع بواو الفعل لا بواو الجماعة، وهي أصل، لم تدخل لمعنى. فكيف أخطأ أبو جعفر فظنها واو الجماعة!! وانظر معاني القرآن للفراء ١: ٢٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>