للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلا تبدوه (١) ="أو تعفوا عن سوء"، يقول: أو تصفحوا لمن أساءَ إليكم عن إساءته، فلا تجهروا له بالسوء من القول الذي قد أذنت لكم أن تجهروا له به="فإن الله كان عفوًّا"، يقول: لم يزل ذا عفوٍ عن خلقه، يصفح عمن عصَاه وخالف أمره (٢) ="قديرًا"، يقول: ذا قدرة على الانتقام منهم. (٣)

وإنما يعني بذلك: أن الله لم يزل ذا عفو عن عباده، مع قدرته على عقابهم على معصيتهم إيّاه.

يقول: فاعفوا، أنتم أيضًا، أيها الناس، عمن أتى إليكم ظلمًا، ولا تجهروا له بالسوء من القول، وإن قدرتم على الإساءة إليه، كما يعفو عنكم ربكم مع قدرته على عقابكم، وأنتم تعصونه وتخالفون أمره.

* * *

وفي قوله جل ثناؤه:"إن تبدوا خيرًا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوًا قديرًا"، الدلالةُ الواضحةُ على أن تأويل قوله:"لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم"، بخلاف التأويل الذي تأوله زيد بن أسلم، (٤) في زعمه أن معناه: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول لأهل النفاق، إلا من أقام على نفاقه، فإنه لا بأس بالجهر له بالسوء من القول. وذلك أنه جل ثناؤه قال عَقِيب ذلك:"إن تبدوا خيرًا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء"، ومعقولٌ أن الله جل ثناؤه لم يأمر المؤمنين بالعفو عن المنافقين على نفاقهم، ولا نهاهم أن يسمُّوا من كان منهم معلنَ النفاق"منافقًا". بل العفو عن ذلك، مما لا وجه له معقول. لأن"العفو" المفهوم،


(١) انظر تفسير"الإخفاء" فيما سلف ٥: ٥٨٢.
(٢) انظر تفسير"عفا" و"عفو" فيما سلف ٢: ٥٠٣ / ٣: ٣٧١ / ٧: ٢١٥، ٣٢٧ / ٨: ٤٢٦ / ٩: ١٠٢. وفي المطبوعة والمخطوطة: "يصفح لهم عمن عصاه"، والصواب حذف"لهم"، إذ لا مكان لها.
(٣) انظر تفسير"قدير" فيما سلف ص: ٢٩٨، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٤) انظر الأثران رقم: ١٠٧٦٣، ١٠٧٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>