الذي فعل في استكباره عن السجود لآدم حسدًا له وبغيًا، نظيرَ فعلهم في التكبر عن الإذعان لمحمد نبي الله صلى الله عليه وسلم ونبوّته، إذ جاءهم بالحق من عند ربهم حسدًا وبغيًا.
ثم وَصَف إبليس بمثل الذي وصف به الذين ضرَبه لهم مثلا في الاستكبار والحسد والاستنكاف عن الخضوع لمن أمرَه الله بالخضوع له، فقال جل ثناؤه:"وكان" - يعني إبليس -"منَ الكافرين"- من الجاحدين نعمَ الله عليه وأياديَه عنده، بخلافه عليه فيما أمرَه به من السجود لآدم، كما كفرت اليهود نعمَ ربِّها التي آتاها وآباءها قبلُ: من إطعام الله أسلافَهم المنّ والسلوى، وإظلال الغمام عليهم، وما لا يحصى من نعمه التي كانت لهم، خصوصًا ما خصَّ الذين أدركوا محمدًا صلى الله عليه وسلم بإدراكهم إياه، ومشاهدتهم حجةَ الله عليهم، فجحدت نبوّته بعد علمهم به، ومعرفتهم بنبوّته حسدًا وبغيًا. فنسبه الله جل ثناؤه إلى"الكافرين"، فجعله من عِدَادهم في الدين والملة، وإن خالفهم في الجنس والنسبة. كما جعل أهل النفاق بعضَهم من بعض، لاجتماعهم على النفاق، وإن اختلفت أنسابهم وأجناسهم، فقال:(الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ)[سورة التوبة: ٦٧] يعني بذلك أن بعضهم من بعض في النفاق والضلال. فكذلك قوله في إبليس: كان من الكافرين، كان منهم في الكُفر بالله ومخالفتِه أمرَه، وإن كان مخالفًا جنسُه أجناسَهم ونسبُه نسبهم. ومعنى قوله:"وكان من الكافرين" أنه كان - حين أبَى عن السجود - من الكافرين حينئذ.
وقد رُوي عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية أنه كان يقول: في تأويل قوله:"وكان منَ الكافرين"، في هذا الموضع، وكان من العاصين.
٧٠٥ - حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا آدم العسقلاني، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، في قوله:"وكان من الكافرين"، يعني العاصين (١) .