عن أبيه، عن الربيع قال: صاروا فريقين: فريق غلَوا في الدين، فكان غلوهم فيه الشك فيه والرغبة عنه، وفريق منهم قصَّروا عنه، ففسقوا عن أمر ربهم.
* * *
القول في تأويل قوله:{إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ}
قال أبو جعفر: يعني ثناؤه بقوله:"إنما المسيح عيسى ابن مريم"، ما المسيح، أيها الغالون في دينهم من أهل الكتاب، بابن الله، كما تزعمون، ولكنه عيسى ابن مريم، دون غيرها من الخلق، لا نسب له غير ذلك. ثم نعته الله جل ثناؤه بنعته ووصفه بصفته فقال: هو رسول الله أرسله الله بالحق إلى من أرسله إليه من خلقه.
* * *
وأصل"المسيح"،"الممسوح"، صرف من"مفعول" إلى"فعيل". وسماه الله بذلك لتطهيره إياه من الذنوب. وقيل: مُسِح من الذنوب والأدناس التي تكون في الآدميين، كما يمسح الشيء من الأذى الذي يكون فيه، فيطهر منه. ولذلك قال مجاهد ومن قال مثل قوله:"المسيح"، الصدّيق. (١)
* * *
وقد زعم بعض الناس أنّ أصل هذه الكلمة عبرانية أو سريانية"مشيحا"، فعربت فقيل:"المسيح"، كما عرب سائر أسماء الأنبياء التي في القرآن مثل:
(١) انظر ما سلف ٦: ٤١٤، فهناك تجد قول مجاهد هذا. وقد علقت هناك، وأشرت إلى اختصار أبي جعفر، ورجحت ما في الكلام نقص. وهذا الموضع من كلامه يدل على أن أبا جعفر نفسه هو الذي اختصر الكلام اختصارًا هناك، من النسيان فيما أرجح، أو لأنه ألف تفسيره على فترات تباعدت عليه. ولولا ذلك لأشار هنا -كعادته- إلى الموضع السالف الذي فسر فيه معنى"المسيح".