= فأباح صلى الله عليه وسلم صيد البازي وجعله من الجوارح. ففي ذلك دِلالة بيِّنة على فساد قول من قال:"عنى الله بقوله:"وما علمتم من الجوارح"، ما علمنا من الكلاب خاصة، دون غيرها من سائر الجوارح".
* * *
فإن ظن ظانّ أن في قوله:"مكلبين"، دلالةً على أن الجوارح التي ذكرت في قوله:"وما علمتم من الجوارح"، هي الكلاب خاصة، فقد ظن غير الصواب.
وذلك أن معنى الآية: قل أحِلَّ لكم، أيها الناس، في حال مصيركم أصحابَ كلاب = الطيباتُ، وصيدُ ما علمتوه الصيد من كواسب السباع والطير. فقوله:"مكلبين"، صفة للقانص، وإن صاد بغير الكلاب في بعض أحيانه. وهو نظير قول القائل يخاطب قومًا:"أحلّ لكم الطيباتُ وما علمتم من الجوارح مكلبين مؤمنين". فمعلوم أنه إنما عنى قائل ذلك، إخبارَ القوم أنّ الله جل ذكره أحل لهم، في حال كونهم أهلَ إيمان، الطيبات وصيد الجوارح التي أعلَمهم أنه لا يحل لهم منه إلا ما صادوه به (١) فكذلك قوله:"أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين" لذلك نظيره، في أن التكليب للقانص = بالكلاب كان صيده أو بغيرها = لا أنه إعلام من الله عز ذكره أنه لا يحل من الصيد إلا ما صادته الكلاب.
* * *
(١) في المطبوعة: "ما صادوه بها"، وما في المخطوطة صواب أيضًا.