للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

محمد على مواضع حظوظهم من الوفاء لله بما عاهدهم عليه= ومعرِّفَهم سوء عاقبة أهل الكتاب في تضييعهم ما ضيعوا من ميثاقه الذي واثقهم به في أمره ونهيه، وتعزير أنبيائه ورسله= زاجرًا لهم عن نكث عهودهم، فيُحلّ بهم ما أحلَّ بالناكثين عهوده من أهل الكتاب قبلهم.

فكان= إذْ كان الذي ذكرهم فوعظهم به ونهاهم عن أن يركبوا من الفعل مثلَه، ميثاقَ قوم أخذ ميثاقهم بعد إرسال الرسول إليهم وإنزال الكتاب عليهم (١) واجبًا أن يكون الحال التي أخذ فيها الميثاق والموعوظين نظيرَ حال الذين وعظوا بهم. وإذا كان ذلك كذلك، كان بيِّنًا صحة ما قلنا في ذلك وفسادُ خلافه.

* * *

وأما قوله:"واتقوا الله إنّ الله عليم بذات الصدور"، فإنه وعيد من الله جل اسمه للمؤمنين كانوا برسوله صلى الله عليه وسلم من أصحابه (٢) وتهدُّدًا لهم أن ينقضوا ميثاق الله الذي واثقهم به في رسوله (٣) وعهدهم الذي عاهدوه فيه= بأن يضمروا له خِلاف ما أبدوا له بألسنتهم. (٤) .

يقول لهم جل ثناؤه: واتقوا الله، أيها المؤمنون، فخافوه أن تبدِّلوا عهده وتنقضوا ميثاقه الذي واثقكم به، أو تخالفوا ما ضمنتم له بقولكم:"سمعنا وأطعنا"، بأن تضمروا له غير الوفاء بذلك في أنفسكم، فإن الله مطلع على ضمائر صدوركم (٥) وعالم بما تخفيه نفوسكم لا يخفى عليه شيء من ذلك، فيُحّل بكم من عقوبته ما لا قبل لكم به، كالذي حلَّ بمن قبلكم من اليهود من المسخ وصنوف النّقم، وتصيروا في معادِكم إلى سخط الله وأليم عقابه.

* * *


(١) سياق هذه العبارة: "فكان.. واجبا أن يكون الحال.."، وأما الجملة التي بينهما فهي معترضة، فمن أجل ذلك وضعتها بين خطين.
(٢) في المطبوعة: ".. للمؤمنين الذين أطافوا برسوله"، غير ما في المخطوطة، وهو صواب محض وعربي عريق، وضع مكان"كانوا": "الذي أطافوا".
(٣) في المطبوعة: "وتهديدا لهم"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب محض.
(٤) قوله: "بأن يضمروا.." متعلق"أن ينقضوا ميثاق الله.."، بأن يضمروا.
(٥) انظر تفسير"ذات الصدور" فيما سلف ٧: ١٥٥، ٣٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>