للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ابن مسعود: (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرهم مناسكهم) [سورة البقرة: ١٢٨] ، فجمع قبل أن تكون ذريةً، وهو في قراءتنا:"وأرنا مناسكنا". وكما يقول القائل لآخر:"كأنك قد تزوجت وولد لك، وكثرتم وعززتم"، ونحو ذلك من الكلام.

وإنما قلنا إن ذلك هو الواجب على التأويل الذي ذكرناه عن أبي العالية، لأنّ آدمَ كان هو النبيَّ أيام حياته بعد أن أُهبط إلى الأرض، (١) والرسولَ من الله جل ثناؤه إلى ولده. فغير جائز أن يكون معنيًّا -وهو الرسولُ صلى الله عليه وسلم- بقوله:"فإما يأتينّكم منّي هُدًى"، خطابًا له ولزوجته،"فإما يأتينكم مني أنبياءُ ورسل" (٢) إلا على ما وصفتُ من التأويل.

وقول أبي العالية في ذلك -وإن كان وجهًا من التأويل تحتمله الآية- فأقرب إلى الصواب منه عندي وأشبهُ بظاهر التلاوة، أن يكون تأويلها: فإما يأتينكم يا معشرَ من أُهبط إلى الأرض من سمائي (٣) ، وهو آدمُ وزوجته وإبليس -كما قد ذكرنا قبل في تأويل الآية التي قبلها- إما يأتينكم منّي بيانٌ من أمري وطاعتي، ورشاد إلى سبيلي وديني، فمن اتبعه منكم فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وإن كان قد سلف منهم قبل ذلك إليّ معصية وخلافٌ لأمري وطاعتي. يعرّفهم بذلك جل ثناؤه أنه التائبُ على من تاب إليه من ذنوبه، والرحيمُ لمن أناب إليه، كما وصف نفسه بقوله:"إنه هو التّواب الرحيم".

وذلك أن ظاهر الخطاب بذلك إنما هو للذين قال لهم جل ثناؤه:"اهبطوا منها جميعًا"، والذين خوطبوا به هم من سمّينا في قول الحجة من الصحابة والتابعين الذين قد قدّمنا الرواية عنهم. (٤) . وذلك، وإن كان خطابًا من الله جل ذكره لمن أُهبط


(١) في المطبوعة: "هو النبي صلى الله عليه وسلم".
(٢) في المطبوعة: ". . . مني هدى أنبياء ورسل. . . ".
(٣) في المطبوعة: "فإما يأتينكم مني يا معشر من أهبطته. . . ".
(٤) في المطبوعة: "الرواية عنهم" بالحذف

<<  <  ج: ص:  >  >>