للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالبينات ثُمَّ إن كثيًرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون- يقول: لساعون في الأرض بالفساد، وقاتلوا النفوس بغير نفس، وغير سعي في الأرض بالفسادِ حربًا لله ولرسوله= فمن فعل ذلك منهم، يا محمد، فإنما جزاؤه: أن يقتَّلوا، أو يصلَّبوا، أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الأرض.

* * *

فإن قال لنا قائل: وكيف يجوز أن تكون الآية نزلت في الحال التي ذكرتَ: من حال نقض كافرٍ من بني إسرائيل عهدَه= ومن قولك إن حكم هذه الآية حكم من الله في أهل الإسلام، (١) دون أهل الحرب من المشركين؟

قيل: جازَ أن يكون ذلك كذلك، لأن حكم من حارب الله ورسوله وسَعى في الأرض فسادًا من أهل ذمَّتنا وملَّتنا واحد. والذين عنوا بالآية، كانوا أهل عهد وذِمَّة، وإن كان داخلا في حكمها كل ذمِّي وملِّي، وليس يَبْطُل بدخول من دخل في حكم الآية من الناس، أن يكون صحيحًا نزولها فيمن نزلت فيه.

* * *

وقد اختلف أهل العلم في نسخ حكم النبي صلى الله عليه وسلم في العرنيين.

فقال بعضهم: ذلك حكم منسوخ، نسخَه نهيُه عن المثلة بهذه الآية= أعني بقوله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا" الآية. وقالوا: أنزلت هذه الآية عِتابًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعل بالعُرَنيين.

* * *

وقال بعضهم: بل فِعْلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالعرنيين، حكمٌ ثابت في نظرائهم أبدًا، لم ينسخ ولم يبدّل. وقوله:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله" الآية، حكمٌ من الله فيمن حارب وسَعى في الأرض فسادًا بالحِرَابة. (٢)

قالوا:


(١) قوله: "ومن قولك"، الواو واو الحال، يعني: كيف يجوز ذلك، وأنت تقول كذا وكذا.
(٢) "الحرابة" (بكسر الحاء) مصدر مثل"العبادة" و"الرعاية" و"التجارة"، يراد به معنى: "المحاربة لله ورسوله، والسعي في الأرض فسادًا". وهو مصدر من قولهم: "حربه" أي سلبه وأخذ ماله وتركه بلا شيء. وليس مصدر"حارب"، فإن مصدر ذلك"محاربة وحرابًا"مثل"قاتل مقاتلة وقتالا". وهذا اللفظ على كثرة دورانه في كتب الأئمة لم يرد له ذكر في كتب اللغة، كأنهم عدوه مما استعمله الفقهاء، ولم تأت به رواية اللغة. وهو، إن شاء الله، عربي صحيح البناء.

<<  <  ج: ص:  >  >>