للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال آخرون: معنى"النفي من الأرض"، في هذا الموضع: الحبس.

ذكر من روى ذلك عنه:

وهو قول أبى حنيفة وأصحابه.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال: معنى"النفي من الأرض"، في هذا الموضع، هو نفيه من بلد إلى بلد غيره، وحبْسُه في السجن في البلد الذي نفي إليه، حتى تظهر توبته من فسوقه، ونزوعه عن معصيته ربَّه.

وإنما قلتُ ذلك أولى الأقوال بالصحة، لأن أهل التأويل اختلفوا في معنى ذلك على أحد الأوجه الثلاثة التي ذكرت. وإذْ كان ذلك كذلك= وكان معلومًا أن الله جل ثناؤه إنما جعل جزاء المحارب: القتلَ أو الصلبَ أو قطعَ اليد والرجل من خلافٍ، بعد القدرة عليه، لا في حال امتناعه= كان معلومًا أنّ النفي أيضًا إنما هو جزاؤه بعد القُدرة عليه، لا قبلها. ولو كان هَرَبه من الطلب نفيًا له من الأرض، (١) كان قطع يده ورجله من خلافٍ في حال امتناعه وحربه على وجه القتال، بمعنى إقامة الحدِّ عليه بعد القدرة عليه. وفي إجماع الجميع أن ذلك لا يقوم مقام نفيه الذي جعله الله عز وجل حدًّا له بعد القدرة عليه، [بطل أن يكون نفيُه من الأرض، هربَهُ من الطلب] . (٢)

وإذْ كان كذلك، فمعلوم أنه لم يبق إلا الوجهان الآخران، وهو النفي من بلدة إلى أخرى غيرها، أو السَّجْن. فإذْ كان كذلك، فلا شك أنه إذا


(١) في المطبوعة: "هروبه"، وفي المخطوطة: "هو به"، و"الهروب" ليس مصدرًا عربيًا، وإن كان قد كثر استعماله في زماننا هذا، وإنما المصدر"الهرب" (بفتحتين) ، فالصواب"هربه" كما أثبت.
(٢) هذه الزيادة بين القوسين، زيادة لا بد منها حتى يستقيم الكلام. وقد استظهرتها من كلام أبي جعفر فيما سلف، وما سيأتي بعده.

<<  <  ج: ص:  >  >>