وأما "حارثة بن بدر بن حصين الغداني"، من بني غدانة بن يربوع، كان من فرسان بني تميم ووجوهها وساداتها. وكان فاتكًا صاحب شراب. وكان فصيحًا بليغًا عارفًا بأخبار الناس وأيامهم، حلوًا شاعرًا ذا فكاهة، فكان زياد يأنس به طول حياته (الأغاني ٢١: ٢٥) . وأما "سعيد بن قيس الهمداني"، فهو من بني عمرو بن السبيع. وكان سيد همدان في زمانه. ولما أمن علي رضي الله عنه حارثه بن بدر، وقف على المنبر فقال: "أيها الناس، إني كنت نذرت دم حارثة بن بدر، فمن لقيه فلا يعرض له". فانصرف سعيد بن قيس إلى حارثة، وأعلمه، وحمله وكساه وأجازه بجائزة سنية. فلما أراد حارثة الانصراف إلى البصرة شيعه سعيد بن قيس في ألف راكب، وحمله وجهزه. وأما البيتان، فهما في تاريخ ابن عساكر ٣: ٤٣٠، مع اختلاف يسير في روايتهما. وأما قوله: "ويقضي بالكتاب خطيبها"، فكأنه عنى بخطيب همدان الفقيه الجليل: "مسروق بن الأجدع الهمداني"، صاحب، على وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما. وكأنه يشير بهذا البيت إلى ما روي عن مسروق أنه أتى يوم صفين، فوقف بين الصفين ثم قال: أيها الناس، أنصتوا. ثم قال: أرأيتم لو أن مناديًا ناداكم من السماء فسمعتم كلامه ورأيتموه فقال: إن الله ينهاكم عما أنتم فيه، أكنتم مطيعيه؟ قالوا: نعم! قال: فوالله لقد نزل بذلك جبرئيل على محمد صلى الله عليه وسلم. فما زال يأتي من هذا- أي: يقول مثل هذا- ثم تلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكمْ رَحِيمًا) . ثم انساب في الناس فذهب. (ابن سعد ٦: ٥٢) .