للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عن أبي هريرة قال: زنى رجل من اليهود وامرأة، (١) فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي، فإنه نبي بُعِث بتخفيف، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله وقلنا:"فُتْيَا نبي من أنبيائك"!! قال: فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم، ما تقول في رجل وامرأة منهم زنيا؟ فلم يكلمهم كلمة، حتى أتى بيت مِدْراسهم، (٢) فقام على الباب فقال: أنشدُكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى، ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا: يحمّم ويجبَّه ويجلد="والتجبيه"، أن يحمل الزانيان على حمار، تُقَابل أقفيتهما، ويطاف بهما= وسكت شابٌّ [منهم] ، (٣) فلما رآه سكت، ألظَّ به النِّشْدَةَ، (٤) فقال: اللهم إذ نشدتَنا، فإنا نجد في التوراة الرجْمَ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فما أوّل ما ارْتَخَصْتم أمر الله؟ (٥) قال: زنى رجل ذو قرابة من ملك من ملوكنا، فأخَّر عنه الرجم. (٦) ثم زنى رجل في أسْوة من الناس، (٧) فأراد رَجْمَه، فحال قومه دونه وقالوا: لا ترجمْ صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه! فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: فإني أحكم بما في التوراة! فأمر بهما فرجما= قال الزهري: فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم:"إنا أنزلنا التوراة فيها هدًى ونورٌ يحكم بها النبيون الذين أسلموا"، فكان النبيُّ منهم. (٨)

١٢٠٠٩ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة قوله:"يحكم بها النبيون الذين أسلموا"، النبي صلى الله عليه وسلم ومَنْ قبله من الأنبياء، يحكمون بما فيها من الحق.


(١) في المطبوعة: "بامرأة"، وأثبت ما كان هنا في المخطوطة، وهو مطابق لما في تفسير عبد الرزاق. انظر التخريج.
(٢) في المطبوعة"بيت المدراس"، وفي المخطوطة: "بيت مدراس"، وفوق"مدراس" حرف"ط"، دلالة على الخطأ، وما أثبته هو الصواب، من تفسير عبد الرزاق. وقد مضى تفسير"بيت المدراس" فيما سلف ص: ٣٠٣، تعليق: ١.
(٣) ما بين القوسين زيادة من تفسير عبد الرزاق.
(٤) "ألظ به"، ألح عليه، وقد مضى تفسيرها في ص: ٣٠٤: تعليق: ٢. و"النشدة": الاستحلاف بالله. يقال: "نشدتك الله نشدة ونشدة" (بفتح النون وكسرها) و"نشدانًا" (بكسر النون) : استحلفتك بالله.
وفيما نقله أخي السيد أحمد من تفسير عبد الرزاق (المخطوط) : "النشيد"؛ وقال أخي: "في أبي داود: النشدة"، وفي رواية أبي جعفر عن عبد الرزاق، اختلاف آخر عنه. و"النشيد": رفع الصوت، هكذا قالوا. وعندي أنه مصدر"نشدتك الله"، يزاد على مصادره.
(٥) في المطبوعة: "ما ارتخص أمر الله"، وفي المخطوطة: ما يحصص" [محذوفة النقط] ، وهو خطأ لاشك فيه، وأثبت ما في تفسير عبد الرزاق.
(٦) قوله: "فأخر عنه الرجم"؛ أي: أسقط عنه الحد، كأنه أبعده عنه وصرفه أن يلحقه. وفي الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر: "أخر عني يا عمر"، قالوا في معناه: "معناه: أخر عني رأيك أو نفسك، فاختصر إيجازا وبلاغة". فقصروا في شرحه، وإنما أراد معنى صرفه وإبعاده. وهو في هذا الخبر بالمعنى الذي فسرته. وهو مما يزاد على كتب اللغة، أو على بيانها على الأصح.
(٧) في المطبوعة: "في أسرة من الناس"، وهي بمثل ذلك في مخطوطة تفسير عبد الرزاق، ثم هي كذلك في سنن أبي داود وغيره. وفسروها فقالوا"الأسرة: عشيرة الرجل وأهل بيته، لأنه يتقوى بهم".
بيد أني أثبت ما هو واضح في المخطوطة: "في أسوة" بالواو، والواو هناك واضحة جدا، كبيرة الرأس، وما أظن الناسخ وضعها كذلك من عند نفسه، بل أرجح أنه وجد"الواو" ظاهرة في نسخة التفسير العتيقة التي نقل عنها، فأثبتها واضحة لذلك. فلو صح ما في المخطوطة، فهو عندي أرجح من رواية"في أسرة". وبيانها أنهم يقولون: "القوم أسوة في هذا الأمر"، أي: حالهم فيه واحدة. فأراد بقوله: "في أسوة من الناس"، أي: حاله حال سائر الناس، ليس من أشرافهم، أو من أهل بيت المملكة منهم، فهو يعامل كما يعامل سائر العامة. وقد جاء في أخبار رجم اليهوديين: "كنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد" (انظر ما سلف رقم: ١١٩٢٢) . فهو يعني بقوله: "في أسوة من الناس"، أنه من ضعفائهم وعامتهم. وهذا أرجح عندي من"في أسرة من الناس"، فإنه يوشك أن يكون"في أسرة من الناس"، مما يوحي بأن له عشيرة يحمونه ويدفعون عنه ويتقوى بهم، وهو خلاف ما يدل عليه سياق هذا الخبر.
ولولا أني لا أجد في يدي البرهان القاطع، لقلت إن الذي في المخطوطة هو الصواب. وذلك أني أذكر أني قرأت مثل هذا التعبير في غير هذا الموضع، وجهدت أن أجده، فلم أظفر بطائل. فإذا وجدته في مكان آخر أثبته إن شاء الله، وكان حجة في المعنى الذي فسرته، وفوق كل ذي علم عليم.
(٨) الأثر: ١٢٠٠٨- انظر تخريج هذا الخبر فيما سلف في التعليق على الأثرين، رقم: ١١٩٢٣، ١١٩٢٤.
وقد نقله أخي السيد أحمد في مسند أحمد في التعليق على الخبر رقم: ٧٧٤٧، من مخطوطة تفسير عبد الرزاق، ولم يشر إلى موضعه هنا من تفسير الطبري. وقد بينت الاختلاف بين الروايتين فيما سلف من التعليقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>