للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذلك أن الله تعالى لم ينزل كتابًا على نبيٍّ من أنبيائه إلا ليعمل بما فيه أهله الذين أمروا بالعمل بما فيه، ولم ينزله عليهم إلا وقد أمرهم بالعمل بما فيه، فللعمل بما فيه أنزله، وأمرًا بالعمل بما فيه أنزله. (١) فكذلك الإنجيل، إذ كان من كتب الله التي أنزلها على أنبيائه، فللعمل بما فيه أنزله على عيسى، وأمرًا بالعمل به أهلَه أنزله عليه. (٢) فسواءٌ قرئ على وجه الأمر بتسكين"اللام"، أو قرئ على وجه الخبر بكسرها، لاتفاق معنييهما.

* * *

وأما ما ذكر عن أبيّ بن كعب من قراءته ذلك (وأن ليحكم) على وجه الأمر، فذلك مما لم يَصِحّ به النقل عنه. ولو صحّ أيضا، لم يكن في ذلك ما يوجب أن تكون القراءة بخلافه محظورةً، إذ كان معناها صحيحًا، وكان المتقدّمون من أئمة القرأة قد قرأوا بها.

* * *

وإذ كان الأمر في ذلك على ما بيَّنَّا، فتأويل الكلام، إذا قرئ بكسر"اللام" من"ليحكم": وآتينا عيسى ابن مريم الإنجيل فيه هدًى ونورٌ ومصدقًا لما بين يديه من التوراة وهدًى وموعظة للمتقين، وكيْ يحكم أهلُ الإنجيل بما أنزلنا فيه، فبدّلوا حكمه وخالفوه، فضلُّوا بخلافهم إياه إذ لم يحكموا بما أنزل الله فيه وخالفوه="فأولئك هم الفاسقون"، يعني: الخارجين عن أمر الله فيه، المخالفين له فيما أمرهم ونهاهم في كتابه.

* * *

فأما إذا قرئ بتسكين"اللام"، فتأويله: وآتينا عيسى ابن مريم الإنجيل، فيه هدى ونورٌ ومصدقا لما بين يديه من التوراة، وأمرنا أهله أن يحكُموا بما أنزلنا


(١) في المطبوعة: "وأمر بالعمل بما فيه أهله"، فغير ما في المخطوطة تغييرًا مفسدًا للمعنى، مزيلا لقصد أبي جعفر من هذه الجملة التي احتج بها في تقارب معنى القراءتين. وهذا عجب من سوء التصرف. وكذلك سيفعل في الجملة التالية، كما سترى في التعليق.
(٢) في المطبوعة، أسقط قوله: "أنزله عليه" وكتب"وأمر بالعمل به أهله"، فأخل بمقصد أبي جعفر، كما فعل بالجملة السالفة. انظر التعليق السالف.

<<  <  ج: ص:  >  >>