للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عيسى، فأدركهم الإسلام فأسلموا لما سمعوا القرآن وعرفوا أنه الحق، ولم يستكبروا عنه.

* * *

وأما قوله تعالى:"ذلك بأنّ منهم قسيسين ورهبانًا"، فإنه يقول: قَرُبت مودَّة هؤلاء الذين وصف الله صفتهم للمؤمنين، من أجل أنّ منهم قسيسين ورهبانًا.

* * *

و"القسيسون" جمع"قسيس". وقد يجمع"القسيس"،"قسوسًا"، (١) لأن"القَسّ" و"القسيس"، بمعنى واحد.

* * *

وكان ابن زيد يقول في"القسيس" بما:-

١٢٣٢١ - حدثنا يونس قال، حدثنا ابن وهب قال، قال ابن زيد:"القسيس"، عبَّادُهم. (٢)

* * *

وأما الرهبان، فإنه يكون واحدًا وجمعًا. فأما إذا كان جمعًا، فإن واحدهم يكون"راهبًا"، ويكون"الراهب"، حينئذ"فاعلا" من قول القائل:"رَهب الله فلان"، بمعنى خافه،"يرهبه رَهَبًا ورَهْبَا"، ثم يجمع"الراهب"،"رهبان" مثل"راكب" و"ركبان"، و"فارس" و"فرسان". ومن الدليل على أنه قد يكون عند العرب جمعًا قول الشاعر: (٣)

رُهْبَانُ مَدْيَنَ لَوْ رَأَوْكِ تَنزلُوا ... والْعُصْمُ مِنْ شَعَفِ الْعَقُولِ الفَادِرِ (٤)


(١) في المطبوعة: "قسوس"، والصواب من المخطوطة.
(٢) في المطبوعة: "القسيسين"، بالجمع، وأثبت ما في المخطوطة، فهو صواب، ولا بأس هنا بشرح المفرد بالجمع.
(٣) هو جرير، ونسبه ياقوت في معجم البلدان لكثير عزة، وأدخله في شعره جامع ديوانه ص: ٢٤٠، والصواب أنه لجرير.
(٤) ديوانه: ٣٠٥، وسيأتي في التفسير ٢٠: ٣٤ (بولاق) وديوان كثير ١: ٢٤٠، واللسان (رهب) ومعجم البلدان (مدين) ، من قصيدة هجا فيها الأخطل والفرزدق، يقول قبله: يَا أُمَّ طَلْحَةَ، مَا لَقِينَا مِثْلكُمْ ... فِي الْمُنْجِدِينَ ولا بغَوْرِ الغَائِرِ
و"مدين" مدينه شعيب عليه السلام، على بحر القلزم، تجاه تبوك، بين المدينة والشام، ذكرها كثير أيضًا في شعره فقال: اللهُ يَعْلَمُ لَوْ أَرَدْتُ زِيَادَةً ... في حُبِّ عَزَّةَ ما وجدْتُ مَزِيدَا
رُهْبَانُ مَدْيَنَ وَالَّذِينَ عَهِدْتُهُمْ ... يَبْكُونَ مِنْ حَذَر العَذَابِ قُعُودَا
لَوْ يَسْمَعُونَ كَمَا سَمِعْتُ كَلامَها ... خَرُّوا لِعَزَّةَ رُكَّعًا وَسُجُودَا
و"العقول" عندي بفتح العين، من قولهم: "عقل الوعل يعقل عقولا"، امتنع برأس الجبل، فهو"عاقل" وبذلك سمي، والقياس يقبل أيضًا"فهو عقول" (بفتح العين) . وفي الديوان، ضبط بالقلم"العقول" (بضم العين) ، جمع"عقل" (بفتح فسكون) : وهو المعقل والحصن. ولست أرضى ذلك هنا، وروى صاحب المعجم"والعصم في شعف الجبال"، وهي موافقة في المعنى لمن ضبط"العقول" بضم العين، وأرجح أن صواب إنشاده في المعجم"من شعف الجبال". و"الشعف" جمع"شعفة" (بفتحتين) : وهي رأس الجبل. و"الفادر": الوعل العاقل الممتنع في رأس الجبل، وهو حينئذ مسن معتقل في رأس جبله. و"العصم" جمع"أعصم": وهو الوعل. سمى بالصفة الغالبة، لأن في إحدى يديه بياضًا. وذلك أن"العصم" و"العصمة": البياض في الذراعين أو إحداهما.
ولما كان"العصم" جمعًا، أنفت أن أجعل"الفادر" من صفته، لو قرئ"العقول" (بضم العين) بمعنى: الحصون والملاجئ، بل جعلتها بفتح العين، بمعنى أن العصم غير المسنة تنزلت أيضا من المعقل الذي يعقل إليه مسن الوعول امتناعًا من الصيد، لقلة احتفاله بمفارقة معقله، كاحتفال شواب الوعول.

<<  <  ج: ص:  >  >>