للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

= فهذا يدلُّ على ما قلنا، من أن القوم كانوا حرَّموا ما حرَّموا على أنفسهم بأيمان حَلَفُوا بها، فنزلت هذه الآية بسبَبهم.

* * *

واختلفت القرأة في قراءة ذلك.

فقرأته عامة قرأة الحجاز وبعض البصريين: (وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأيْمَانَ) بتشديد"القاف"، بمعنى: وكّدتم الأيمانَ ورَدَّدتموها.

* * *

وقرأه قَرَأةُ الكوفيين: (بِمَا عَقَدْتُمُ الأيْمَانَ) (١)

بتخفيف"القاف"، بمعنى: أوجبتموها على أنفسكم، وعَزَمتْ عليها قلوبكم.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب في ذلك، قراءةُ من قرأ بتخفيف"القاف". وذلك أن العرب لا تكاد تستعمل"فعَّلت" في الكلام، إلا فيما يكون فيه تردُّدٌ مرة بعد مرةٍ، مثل قولهم:"شدَّدت على فلان في كذا"، إذا كُرِّر عليه الشدّة مرة بعد أخرى. (٢) فإذا أرادوا الخبر عن فعلِ مرّة واحدةٍ قيل:"شَدَدت عليه"، بالتخفيف.

وقد أجمع الجميع لا خِلافَ بينهم: أن اليمين التي تجب بالحِنْث فيها الكفارة، تلزم بالحنث في حلف مرة واحدة، وإن لم يكرّرها الحالف مرات. وكان معلومًا بذلك أنّ الله مؤاخذٌ الحالفَ العاقدَ قلبَه على حلفه، وإن لم يكرِّره ولم يردِّدْه. (٣)

وإذا كان ذلك كذلك، لم يكن لتشديد"القاف" من"عقّدتم"، وجه مفهومٌ.

* * *


(١) في المطبوعة: "وقراء الكوفيين"، وفي المخطوطة: "وقراه الكوفيين"، وصواب العبارة أن يزاد فيها: "وقرأه" كما فعلت.
(٢) في المطبوعة: "عليه الشد"، وأثبت ما في المخطوطة.
(٣) في المطبوعة: "ولم يردده"، وأثبت ما في المخطوطة.

<<  <  ج: ص:  >  >>